الباطل من أي جوانبه، إذا هو طبق ونفِّذ فلن تجرؤ قوانين الطبيعة ولا سنن المجتمع أن تعترضه أو تخالفه. ولقد لبسنا معشر المصريين هذا المزاج النظري ضيّقا لِصق أجسامنا حتى ليصعب علينا خلعه، حتى بعض الذين تدرَّبوا منا تدربا علميا خاصا يميل بهم هذا المزاج حيناً فينسون التجربة وخطرها في أمور العلم وأمور الحياة. قص لي صديق عالم مصري أختصه الله من بين العلماء بنعمة الثراء لسر لا يعلمه سواه، فكانت له أرض واسعة مرضت فأتعبه تسميدها فذهب إلى خبير مصري عالم في السماد فسأله رأيه، وبعد أخذ ورد وفحص وصف له الدواء، فذهب صديقنا إلى أرضه بسن ضاحك ورجاء وافر، ولكنه بعد فترة التجربة عاد إلى صاحبه السَّماد بوجه كاشر وأمل خائب، فسأله أعندك أرض، قال لا، قال نصيحتي للدولة أن تفصل من خدمتها كل سمَّاد لا أرض له ثم تولَّى. فقلت لصاحبي لقد كان أقرب إلى الإنصاف وأدنى إلى الإحسان أن تتمنى على الدولة أن تهب أرضا لكل سمَّاد لا أرض له. فنسى صاحبي الأرض وابتسم راضيا عن هذا الحل الموفق.
سفينة في معمل:
والحق أن هناك وجها قد يخفي حتى على من يقضون أصباحهم وأمسائهم في المعامل، فإن تجربة المعمل محدودة وأوجه الشبه التي بينها وبين ظاهرة طبيعية تحدث في العراء الواسع قد تكون قليلة مبتورة، فقد تكون في تجربة المعمل صفات ُمنجحة لا تكون في الطبيعة، وقد تكون فيها صفات مخيِّبة ليست في الطبيعة، وقد يكون في الطبيعة ما ليس في تجربة المعمل، وليس من الهين كل حين إدراك هذه الفروق في الصفات ولا سيما في شئون الحياة ومناطق العرفان التي لا يزال العلم يمشي فيها بخطى محذورة ثقيلة، مستهديا في حُلكتها الكثيفة بفتيل ضئيل من زيت قنديل. وكثيرا ما أدرك العلماء هذه الحقيقة إدراكا قويا خرج بهم عن حدود العمل المعروفة وعن طرائقه المألوفة. مثال ذلك أن التفاح من أكثر الفواكه عبرا للمحيطات، وأطولها سفرا وأكثرها اختلافا بين مناطق الأرض الباردة والحارة، فكانت تتلف منه في تلك الأسفار مقادير هائلة، ففحصوا أسباب هذا التلف فاهتدوا إلى أن من أسبابه الحرارة التي تكون في قاع السفينة ولا سيما في الأقطار الاستوائية، فكان من ذلك أن أودعوه مخازن بالسفينة تبرد تبريدا صناعيا طول السفرة. ثم ارتأوا بعد