ذلك أن الهواء المحبوس سبب قوي في الفساد الحادث، وإن التفاحة تحيا خلاياها وتموت، فهي مثلي ومثلك في حاجة إلى الأكسجين النقي لتبقى حية صالحة، وكذلك في حاجة إلى شيء من الضياء. فمهدوا للتفاح المسافر وسائل الحياة والترف احتفاظا بحيويته، فنقص مقدار العادم إلى نسبة قليلة هي خمسة في المائة. ولكن التفاح تبلغ التصديرة الواحدة منه ثلاثة الملايين من الصناديق. فالخسارة في هذه وحدها تبلغ مائة وخمسين ألف صندوق. من أجل هذا اعتزم معهد الأبحاث بـ (إيست مالنج) بمقاطعة (كنت) بإنجلترا أن يقوم بدراسة حاسمة لا هوادة فيها لخلاص تلك البقية الباقية من العدم. (وإيست مالنج) محطة لبحث النبات عالمية لها معامل واسعة تبلغ المائة من الفدادين، ولها في تربية النبات وانتقاء جذور الأشجار ولا سيما أشجار الفواكه سمعة واسعة، وهي فوق ذلك غنية قادرة، فأرادت أن تلم بكل الظروف المحيطة بالتفاح أثناء سفره، فابتنت في معاملها ما يشبه السفينة، وأقامت فيها كل ما يقوم في السفينة، وجهزتها بجهاز يزيد في حرارتها أو ينقصها حسب المراد، وأتت بحمولة التفاح فأودعتها عنبر (السفينة) وأودعت بين صناديق (البضاعة المسافرة) مائتي وخمسين ترمومترا لرصد الحرارة، وبما أن العنبر سيظل مغلقا طيلة (السفرة) فقد وصلوا الترمومترات بأسلاك كهربائية ليستطيعوا رصد الحرارة من بعيد وبخاصة إذا هاج (البحر) نعم إذا هاج البحر فإنهم أحاطوا السفينة بأكياس منفوخة بالهواء تعوم فيها عومها في الماء، وأقاموا على الأكياس آلات دافعات جاذبات تحرك السفينة مثل حركتها بين الأمواج المصطخبة والرياح العاصفة، أو من أثر التيارات الخبيئة تحت سطح البحر الهادئ. وكان هذا الجهد وكل تلك النفقة حرصا على أن تمثل تجربة المعمل تجربة المحيط بحذافيرها وحتى لا يفلت حذفور غير منظور قد يكون له خطره في النتيجة الحاصلة. ولا يزال القوامون على هذه التجربة قائمين فيها، صكوا أبواب العنبر على التفاح وتدرجوا في رفع حرارته وبدلوا له الهواء إلى غير ذلك من أمور، وأهاجوا عليه (البحر) حينا وهدءوه حينا، وستصل البضاعة في يناير القادم إلى غايتها، وعندئذ يفتح العنبر وتمتحن البضاعة. ثم تشحن السفينة بضاعة جديدة وترحل رحلة جديدة تحت ظروف جديدة، وهكذا حتى يصل التفاح إلى مقره الأخير سليما كله من كل عطب، وعندئذ تتعين الشرائط التي لا بد منها لسلامته، وعندئذ يهدم هذا الهيكل الكبير ويباع حطاما