من ذكاء الجنان وقوة البيان أن يأتي بمثله، أما أقلهم فيزعمون أن بلغاءهم قادرون على الإتيان بمثله ولكنهم ممنوعون عن ذلك احتراماً له)
ولعلك - إن كنت ممن لهم إلمام بالمذاهب الإسلامية - تذكر أن هذه المسألة بالذات قد أثيرت بين علماء المسلمين، وأن هذا الخلاف عينه موجود بينهم على الصورة التي وجد عليها بين البراهمة، فذهبت الأكثرية الساحقة من علماء المسلمين إلى أنه ليس في طاقة البشر الإتيان بمثل أصغر سورة من القرآن مهما أوتوا من الفصاحة والبلاغة، وذهبت أقلية من هؤلاء العلماء إلى أن الفصحاء ممنوعون قسر إرادتهم عن هذه المحاكاة بحيث أنه لو فرض وجود كتاب آخر يستوي مع القرآن في البلاغة ويصعد إلى طبقته في الفصاحة والإتقان لأمكن للفصحاء تقليده. وإذاً فالعجز عن الإتيان بمثل القرآن في رأي هذا الفريق ليس أصلياً في عقول الفصحاء، وإنما هو عارض دعا إليه إجلال القرآن. ونحن نرجح أن عناصر الخلاف في هذه المسألة بين علماء المسلمين إنما هي دخيلة جاءتهم من الديانة الهندية، ونرجح كذلك أنهم لو لم يتأثروا بهذا الخلاف الهندي لضلوا جميعاً على رأي واحد في هذه المسألة ولأجمعوا على أن القرآن لا يقصد به بقوله:(قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) إلا إعلان العجز الطبيعي الأصيل، وإلا لما صح التحدي، لأنه لا معنى لأن تتحدى شخصاً ثم تدعه على حريته، بل تحاول صرفه عما تحديته فيه وإذا، فلو دقق هذا الفريق النظر في الآية الكريمة لما ذهب إلى ما ذهب إليه.
هذا، ولا يفوتنا قبل مغادرة هذه النقطة أن نعلن أن هذه المغالاة من جانب البراهمة في تقديس كتاب الفيدا هي التي حالت بينه وبين التبديل والعبث اللذين وقعا في كتاب البوذية كما سنشير إلى ذلك في حينه.