قبل المسيح، وأن تياره القوي لم يستطع أن يجرف العقيدة القديمة من نفوس جميع أبناء الشعب الهندي، وإنما قد صبغ تلك العقيدة بلونه الجديد كما أسلفنا، ولم يقو على محوها إلا من نفوس الخاصة المثقفة أما الجماهير فقد ظلت العقيدة القديمة محتفظة بمكانتها في نفوسهم احتفاظاً كان في أول الأمر صامتاً أما قوة الديانة الأجنبية المنتصرة، ولكنه أخذ بعد ذلك يقوى وينتعش شيئاً فشيئاً حتى برز منه الشيء الكثير على مسرح الوجود.
لكلمة (الفيدا) عدة معان، أدقها:(العلم عن طريق الدين بكل ما هو مجهول). وينجم عن هذا التعريف أن تكون (الفيدا) منبع جميع المعارف الهندية من: ديانات وأخلاقيات ونظريات علمية أو اجتماعية، وهي تحتوي أوراداً تعبدية وأناشيد دينية، وتعاويذ سحرية نزل بها الوحي من عند الله على قلب (براهما) فتلاها على الناس فاستظهروها وأخذوا يتعبدون بتلاوتها دون أن يكتنهوا أسرارها. وهي مؤلفة من أربع مجموعات تختلف كل واحدة منها عن الأخرى باختلاف الموضوع الذي تعالجه، فالأولى تسمى (رك بيذ) - (رك فيدا) وهي تحتوي على الأوراد، والثانية تسمى:(سام بيذ) - (سامان فيدا) وتحتوي على الأناشيد. والثالثة (جزر بيذ) - (ياجوس فيدا) وتحتوي على طقوس الضحايا والقرابين. والرابعة (أثارفين - بيذ) - (أتهارفان فيدا) وتحتوي على التعاويذ السحرية.
هذا، واليك ما كتبه أبو الريحان البيروني عن هذا الكتاب:(بيذ) تفسيره العلم بما ليس بمعلوم، وهو كلام نسبوه إلى الله تعالى من فم (براهم) ويتلوه (البراهمة) تلاوة من غير أن يفهموا تفسيره، ويتعلمونه كذلك فيما بينهم يأخذه بعضهم من بعض، ثم لا يتعلم تفسيره إلا قليل منهم. وأقل من ذلك من يتصرف في معانيه وتأويلاته على وجه النظر والجدل ويعلمونه (كشتر) فيتعلمه من غير أن يطلق له تعليمه ولو لبرهمن، ثم لا يحل لبيش ولا لشودر أن يسمعاه فضلاً عن أن يتلفظا به ويقرآه، وإن صح ذلك على إحداهما دفعته البراهمة إلى الوالي فعاقبه بقطع اللسان. ويتضمن (بيذ) الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب بالتحديد والتعيين بالثواب والعقاب، ومعظمه على التسابيح وقرابين النار بأنواعها التي لا تكاد تحصى كثرة وعسرة، ولا يجوزون كتابته، لأنه مقروء بألحان، فيتحرجون عن عجز القلم وإيقاعه زيادة ونقصاناً في المكتوب. ولهذا فاتهم مراراً ويروي لنا البيروني كذلك أن أكثر البراهمة يدعون أن (الفيدا) معجزة لا يستطيع أحد مهما أوتي