ونظر حسن أفندي إلى حذائه البالي وسترته التي تغير لونها وهم بالكلام ولكنه فضل السكوت لأنه كان يعلم جيداً أن لا فائدة من الكلام.
انتقلت العائلة إلى غرفة المائدة لتناول الغداء، فأخذ حسن أفندي ككل أول شهر ينتقد العمل في الحكومة ويصف الحكومة بمقبرة الكفايات ويعلم الله أن حسن أفندي هذا لا يصلح لأي عمل حكومي أو غير حكومي فهو متردد ضعيف العزيمة ولا يحسن غير الخط. التحق بالحكومة من عشرين سنة أيام أن كان كل من يستطيع القراءة والكتابة يلتحق بها. يعتقد أنها نابغة وأنه لو كانت الإجازات موجودة في أيامه لحصل على أعلى الدرجات. ثم قال: التحق اليوم بوزارتنا موظف جديد متخرج من كلية التجارة وجاءت قرعته في مكتبي فناولته حساباً بسيطاً ليتمه، وقدم إلى الحساب فلم أفهم منه حرفاً. مسكين هذا الشاب إنه اتبع طرقاً عقيمة طبعاً وكان خطه رديئاً، فقلت له:(اسمع يا بني. سأنصحك لوجه الله أترك كل ما تعلمته في المدرسة واتبع الطريقة التي سأعلمها لك) فبهت الشاب ونظر إلي مذهولاً فقلت: (الطريقة التي سأعلمها لك اكتسبتها بالمران الطويل وسترى أنها بسيطة) ثم شرحتها له وأراد أن يعترض فقلت له: (اسمع، أعمل بطريقتي ولا تعمل بغيرها إننا نتبعها من عشرين سنة. أتريد أن نغير من نظامنا إكراماً لخاطرك. لا يا بني لا أسمح لك بغير طريقتي)
فقال حسونة:(ولكن يا أبي لماذا لم تتركه يتبع طريقته التي تعلمها) فرد أبوه محتداً: (أية طريقة؟ لا يوجد للحساب سوى طريقة واحدة، أتظن أنكم تتعلمون الآن؟ أنكم تضيعون وقتكم سدى. رحم الله أيام أن كنا نحصل كل العلوم في أربع سنوات. اترك فلسفتك يا سيد حسونة)
أراد حسونة أن يرد ويقنع أباه ولكن نعمات هانم تدخلت وقالت:
- لنترك هذا الحديث. عليك يا حسن بك أن تكون هنا في الساعة الثامنة والنصف لنذهب إلى السينما