يجمع بينهما وبين الموسيقى معاً. فالفارابي مثلاً كان رياضياً مبتكراً في الموسيقى، وفيثاغورس أقدم فلاسفة ما وراء الطبيعة عند اليونان كان يبني فلسفة الكون كله على النسب الموسيقية بين الأعداد. وقد مر بمصر قبل أيام نابغة من أفذاذ الرياضة هو ألبرت اينشتين صاحب الفلسفة النسبية التي دهمت الناس ببدع في تعريف الوقت والفضاء يكفي أن نذكر منها أن الخط المستقيم ليس من اللازم أن يكون أقرب موصل بين نقطتين. وهو فيلسوف رياضي وموسيقار بارع في العزف على القيثار. وليس يخفى الشبه القريب بين ملامح العظماء من الفلاسفة والرياضيين وملامح العظماء من نوابغ الموسيقيين. فقد تلتبس عليك صورهم حتى لا تكاد تميز بعضهم من بعض ولا سيما في نظرات العين وسعة الجبهة وارتفاعها. . .) ومن ذلك أن ينبغ العازفون والحاسبون والعدادون في الطفولة الباكرة وفيما دون الخامسة أحياناً ولا يحصل ذلك في سائر العلوم.
ذكرني ذلك البحث القديم الجديد اتفاق عجيب بين أمور متعددة لا رابطة بينها في هذه الأيام.
فالأستاذ المازني يكتب عن توارد الخواطر، وفي مقالي الأخير بالرسالة كلمة عن الرياضيات واتصالها بعالم الروح، وبينما أفكر في هذه الموضوعات إذا بكتاب جديد يصدر من مطبعة (جولانكز) الإنجليزية عنوانه (عظماء الرياضيين) لمؤلفه الأستاذ (بل) الرياضي المشهور في الجامعات الأمريكية. فتصفحته واستقصيت بعض تراجمه فإذا به لا يقول ما قلته عن الصلة بين التدين والرياضة والموسيقى والحقائق الفرضية، ولكنه يعرض لنا تراجم العظماء الرياضيين وعجائب آرائهم ونوادر صباهم وطرائف أخبارهم فلا يسع القارئ إلا أن يخرج منه بتلك النتائج التي أجملناها قبل أربع عشرة سنة كأنها استقصاء ثم تلخيص لكل ما ورد في ذلك الكتاب.
من ذلك أن الرياضي الكبير سلفستر يقول: (ألا يجوز إذن أن توصف الموسيقى بأنها رياضيات الحس، وأن توصف الرياضيات بأنها موسيقى العقل، وأن يقال إن الموسيقار يحس رياضياً وأن الرياضي يفكر موسيقياً؟ فالموسيقى هي حلم الحياة، والرياضة هي عمل الحياة، وكلتاهما تستوفي نصيبها من الأخرى حين يرتقي الذهن البشري إلى أوجه الأعلى، ويسطع في مزدوج من العبقرية يجمع بين موزار وديرشليه، أو بين بيتهوفن