للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاوس، وهو الازدواج الذي تجلى وميض منه في عبقرية هلمهولتز وأعماله).

ومن ذلك أن الرياضي السويسري النادر المثال ليونارد إيلر الذي قيل فيه إنه يصنع المعادلات كما يتنفس الهواء، كان شديد التدين، وكان يصلي بالأسرة في منزله؛ وخطر له أن ينتقل من ألعوبة دبروها في البلاط الروسي للفيلسوف (ديدرو) إلى الجد كل الجد في إثبات وجود الله بالمعادلات الرياضية. فلما تمادى ديدرو في تكفير رجال الحاشية الروسية ومجادلتهم في وجود الله تعمدت كاترين الكبيرة أن تداعبه وتفحمه من طريق الرياضيات التي كان يجهلها كما يجهل اللغة الصينية، فوكلت به إيلر فواجهه في جد ورصانة ولفق له معادلة وتحداه أن يجيب إن استطاع الجواب. . . فلم يدر الفيلسوف بماذا يجيب، وكانت أضحوكة البلاط إلى حين.

قال الأستاذ (بل) مؤلف الكتاب: (ولم يقنع إيلر بفكاهته الفاخرة بل حاول بعد ذلك أن يجلو الزنبقة وراح وهو جاد غاية الجد يركب المعادلات والبراهين الرياضية التي تثبت أن الله موجود وأن الروح مجردة من المادة. وقيل إن هذه البراهين تسربت إلى فلسفة الفقه والتصوف على أيامه فكانت على الأرجح نخبة الأزاهير التي تتمثل فيها عبقريته الرياضية بمعزل عن الشؤون العملية).

ومن ذلك أن جاوس الملقب بملك الرياضيين عرف تصحيح الحساب قبل بلوغه الثالثة من عمره. وكان أبوه رئيساً لطائفة من العمال، فلما كان يوم السبت واستدعاهم لإحصاء ما لهم وما عليهم بمسمع من طفله الصغير غلط في الجملة فصاح به الطفل: (يا أبتاه! ليس هذا بصحيح، وإنما الصحيح كيت وكيت) وروجع الحساب فإذا هو على صواب.

ويقول المؤلف: (ومما تشوق ملاحظته - لما هو معهود في الرياضيين من الميل إلى الموسيقى - أن فيرستراس الكبير لم يكن يقبل الأنغام على ضروبها مع اتساع مشاركاته، فلم تكن تعنيه ولم يزعم هو أنها تعنيه).

وعندنا أن هذا غريب حقيق بالملاحظة كما قال المؤلف، إلا أن غرابته تهون كثيراً متى ذكرنا أن فيرستراس هو القائل إن الرياضي لا تستقيم له ملكة الرياضة إلا بقسط من الشاعرية فيه، وأنه كان يعارض إخوته في تعلم الموسيقى لأنهم كانوا يروضونه بها على الرقص وشهود المجتمعات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>