وكان (كبلر) يزعم أنه اهتدى إلى نسبة بين حركات الكواكب السيارة ومواقعها تشابه النسب التي بين الأنغام الموسيقية والمقامات.
وتعددت الأقوال التي ترجع بتركيب الكون كله إلى النسب الرياضية ولا سيما بعد ما ظهر في السنوات الأخيرة من تحليل النور ورد المادة كلها إلى الإشعاع، ورد الإشعاع كله إلى مقدورات عددية يوشك أن تخرج به من عالم المادة إلى عالم الحساب. فبعد مقال أفلاطون:(إن الله يهندس) ومقال جاليلي: (إن كتاب الطبيعة العظيم مكتوب بلغة الرياضيات) ومقال جاكوبي: (إن الله يحسب) يقول الأستاذ جينس في كتابه (الكون الخفي) وهو من أقطاب العصر الحديث: (إن مهندس الكون الأعظم قد بدا لنا اليوم محض رياضي. . . وإن الكون يلوح لنا رياضياً على منوال مخالف لكل معنى تصوره الفيلسوف (كانت) أو كان في وسعه أن يتصوره في أيامه؛ فإن الرياضيات بالإيجاز تهبط إلى الكون من عل ولا تصعد إليه من الأدنى).
ومن الاتفاق الذي ينساق في هذا المساق ما رواه الأستاذ جينس في كتابه المتقدم عن رأي هكسلي في المصادفات وتوارد الخواطر. فهو يعتقد اعتقاده أننا لو أسلمنا الآلات الكاتبة إلى ستة قرود يدقون على حروفها بغير قصد ولا معرفة، ملايين بعد ملايين من السنين لكان لزاماً أن يجيء الوقت الذي (تنكتب) فيه بهذه الوسيلة جميع الكتب التي في المتحف البريطاني).
ولا يخفى ما يريده هكسلي بهذه النكتة المنطقية، ولكنه على كل حال قد خرج بالمسألة إلى (ما وراء الطبيعة) وأبطل حكم العقل والإرادة فيها. فمهما يطل عمر الإنسان فما هو ببالغ أن يفسر لنا على هذا النمط اتفاق الخواطر في صفحة واحدة بله الألوف من المجلدات التي تحويها دار الكتب البريطانية.
ولا حاجة إلى القرود الستة وملايين السنين والآلات الكاتبة لتعليل توارد الخواطر في الآراء أو في العبارات، فإن علم النفس يغنينا حيث لا يغني التطوح ملايين السنين وراء المشهود والمحسوس. وقد كان علم النفس كافياً حتى الآن لتعليل حفظ العقول صفحات عديدة في حالة (الغيبوبة) أو حالة التنويم المغناطيسي أو حالة (التنويم الذاتي) أو ما يشبه هذه الحالات من عوارض الحمى العصبية. فإذا رأينا حالة كالتي رواها صديقنا الأستاذ