أنهم فريقان - عن التقدم إلى الإنجليز لمفاوضة أو مباحثة قبل أن يرفع الظلم عن إخوانهم. وإذا صح أن في فلسطين اعتدالا وتطرفاً وأن المعتدلين كانوا يخشون الظهور بآرائهم الحقيقية أمام المتطرفين - وهو ما لا نعتقد أنه صحيح - فالبداهة تقول إن هؤلاء حقيقيون أن يخشوا الظهور الآن بعد الذي كان من الاعتقال والنفي حتى لا يتهموا بالتواطؤ مع البريطانيين على إقصاء رجال اللجنة العربية عن الميدان
فالذي فعلته الحكومة البريطانية لا خير فيه ولا جدوى منه؛ وكل ما هو خليق أن يثمره هو أن يوقع في روع العرب أن بريطانيا ممالئة للصهيونية، ومناوئة للعب؛ وأنها تلجأ الآن إلى وسائل الضغط والعنف والتخويف والإرهاب بعد أن أعيتها الأساليب السياسية. وإلا فلماذا تختص بريطانيا العرب بهذا العنف وتخاشنهم على حين تسالم الصهيونيين وتحاسنهم؟ وإذا كانت حوادث الاغتيال التي وقعت هي التي استوجبت اللجوء إلى هذه الأساليب العنيفة، فقد كان يحسن بالحكومة البريطانية أن تذكر أن الذين اغتيلوا كان أكثرهم من العرب، وأن ممن وقع الاعتداء عليهم بعض زعماء العرب أنفسهم، وأن هناك اغتيالات وقعت من الصهيونيين أيضا، وهذا ما لاشك فيه. فلماذا تأخذ العرب وحدهم بذلك وتدع الصهيونيين؟ على أن زعماء العرب لم يكفوا قط عن دعوة الشعب إلى التزام السكينة والهدوء وضبط النفس والمحافظة على اتزان الأعصاب حتى في أعصب الأوقات، لأنه ليس مما يساعد على تحقيق غاية العرب ويكفل للزعماء الفوز بالحصول على ما ينشدون من الحرية ومن المحافظة على حقوق البلاد أن يقع اضطراب يمكن أن يستغله خصوم القضية العربية وأنصار الوطن القومي والصهيونية. فحوادث الاغتيال التي وقعت هي في الحقيقة معاكسة لمساعي العرب وإساءة إليهم؛ ولو وسع زعماء العرب أن يقطعوا دابرها ولما ترددوا، ولكنهم ليسوا الحكومة، وليس أمر الأمن والنظام إليهم، ولا في أيديهم زمامه؛ فمن أشد الظلم وأصرخه أن يؤخذوا بما يشكون هم منه، ويرون فيه إحباطاً لسعيهم ومناوأة لهم
ومن الواضح أن هذا مظهر اضطراب شديد في السياسة البريطانية، فقد كان المفهوم من موقف ممثليها في عصبة الأمم أنها لم تعد ترى في مشروع التقسيم حلاً مقبولاً لمسألة فلسطين، وأنها ستعيد النظر في الأمر؛ بل لقد صرحت أنها تنوي أن تبعث إلى فلسطين