للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بلجنة أخرى تتناول الموضوع بالدرس والبحث من جديد، وتفاوض رجال العرب وزعماءهم وممثلي الصهيونية لعلها تهتدي إلى حل آخر يكون أكفل بإرضاء الفريقين. وكان المفهوم أيضاً أنها بهذا تفسح لنفسها في الوقت وترجئ الحل إلى أن يتيسر؛ ولا يتفق هذا وسلوكها العنيف، فإن الذي يريد المفاوضة والتفاهم لا يلجأ إلى الشدة والضرب على الأيدي والتحبيس. ومن عساها تفاوض أو مع من ترجو أن تتفاهم إذا كانت تشرد الزعماء في نواحي الأرض وتقصيهم؟ أتفاوض العامة أو من يا ترى؟ وما هي الجدوى على كل حال من هذه السياسة العنيفة؟ سؤال نلقيه ونحن نتعجب، فإن اعتقال رجال اللجنة العربية لا ينفع أحداً من الإنجليز أو الصهيونيين، لأن هؤلاء الرجال إنما يمثلون رأي الأمة ويتكلمون باسمها، والإنجليز يشاءون أن يشكوا في ذلك، وأن يزعموا أن هناك معتدلين مستعدين للظهور والتقدم متى خلا المجال من هؤلاء المتطرفين الإرهابيين. وسيرى الإنجليز أنهم في هذا مخطئون كخطئهم في اعتقال زعماء المصريين مرتين ونفيهم أولا إلى مالطة ثم جزيرة سيشيل. وسيتبين الإنجليز أنهم أوغروا صدور العرب بلا موجب ومن غير عوض، وحملوا العرب في كل مكان على إساءة الظن بالسياسة البريطانية بعد أن كان العرب يعتقدون أن بريطانيا حليفة طبيعية لهم، وأنها أولى بصداقتهم ومحالفتهم. ولا ندري ماذا تكسب بريطانيا من اسخاط العرب وإيغار صدورهم؛ ولكنا ندري أن يأسهم من صداقتها ومن إمكان التفاهم بالعدل والإنصاف قد يدفعهم إلى ما تكره بريطانيا ويحملهم على النظر في أمرهم من ناحية جديدة، وعلى طلب حقهم بوسائل جديدة. فإذا كان في هذا مكسب للسياسة البريطانية فإنه ينقصنا أن نعرفه. ولن يكون العرب إلا معذورين إذا التمسوا حقهم من طريق آخر غير طريق الاعتماد على روح العدل والإنصاف عند بريطانيا

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>