ومن أهم أسباب الاقتصادية معامل السلاح ونفوذ المنتفعين بترويج الأسلحة بين المتحاربين. وليس من العلاج الناجع في رأي هكسلي أن تستولي الحكومات على هذه المعامل فتبطل الدعاية للحروب، لأن الحكومات تحتاج إلى المال كما تحتاج إليه الشركات؛ ويزيد على المشكلة مشكلة جديدة وهي أن الحكومات أقوى على الجملة من الشركات
ويمضي الكاتب في سرد أمثال هذه الأسباب مجتهداً في إبراز غرضه الأصيل من كتابة الكتاب وهو تغليب العوامل النفسية على العوامل الاقتصادية وتوجيه الأذهان إلى ابتغاء العلاج الأدبي مع العلاج الاقتصادي في وقت واحد. وخلاصة العلاج الأدبي ترجع بنا إلى مذهب كمذهب أهل الهند أو مذهب المتصوفة القائلين بأن عظمة الإنسان على مقدار استغنائه عن قيود اللذات والشهوات وقيود الأوجاع والهموم، وأن المثل الأعلى في التربية هو الترفع عن الحاجات وليس الخضوع لها والانقياد لغوايتها. أما خلاصة العلاج الاقتصادي فهي العناية بالوسائل الزراعية التي يجريها الدكتور ولكوكس صاحب كتاب (الأمم تعيش على مواردها الداخلية)؛ وفحواها أن الأمة بالغاً ما بلغ عدد سكانها قادرة على استخراج طعامها من أرضها إذا هي عمدت إلى تطبيق بعض الأساليب العلمية التي حققها بالتجربة المشهودة. ويتوقع هكسلي أن طريقة ولكوكس ومثلها طريقة الأستاذ جريك في كليفورنيا ستحدثان في العالم انقلاباً شاملاً لا يذكر إلى جانبه انقلاب الصناعة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلا كما تذكر التوافه واللمم في معرض الأخبار الجسام
وجميع هذه الخلاصات إنما هي فهرس للعناوين يشوق من يعنيه الأمر إلى المراجعة والاستقصاء. فإذا راجع واستقصى علم أن الجزاء أكبر من العناء، وأن من مباحث الزراعيين في عصرنا هذا ما يلذ القارئ كما يلذه البحث في الأدب والفن والفلسفة وأصول العقائد وقوانين الاجتماع، فلا سبيل إلى علاج عالمي يعصف بآفات القرون الأولى ويحيط بعواملها الفكرية والشعورية ما لم يكن مصحوباً بدراسة هذه الشؤون