الرجل الذي يقتل بعد تدبير وإصرار؛ ولعله أقل بشاعة وقسوة لأنه يقتل وهو مهتاج مستثار بما يثير الجنود في حومة الصراع. إلا أنني أومن بما تواترت به الآراء عن قلة الضراوة بين الأحياء التي تعيش على الفطرة في حالة التبدي والسهولة، فإن ذلك معناه أن الحرب آفة قابلة للعلاج في زمن من الأزمان، وأنها متى بطلت أسبابها الأولى ووضحت أضرارها الجسام وكثر المصابون بتلك الأضرار خفيت من عالم الإنسان المتحضر كما خفيت من عالم الإنسان الفطري أو من عالم الحيوان
وربما لاح عجيباً للمصريين أن يعلموا أنهم أول أمة في العالم قد اخترعت (فن الحرب) على النظام المعروف؛ فقبل الحضارة المصرية لم تكن حرب منظمة ولا تعبئة مدروسة ولا حركات يتعلمها القادة كما يتعلم صناعته كل ذي صناعة محفوظة الأصول والقواعد؛ وإنما كانت هناك مشاجرات يدخل فيها استخدام السلاح ولا تعتمد في فنون التعبئة على نظام سابق. فما أعجب أن يكون المصريون الموادعون هم اسبق الأمم إلى اختراع فن القتال! وما أعظم ما في ذلك من دواعي التفاؤل عند أناس ودواعي التشاؤم عند آخرين! فأما التفاؤل فذاك لأن هذه العجيبة دليل على أن الحرب ضرورة معيشة في بعض حالات الحضارة الأولى، وليست بشهوة مقرونة بالوحشية التي تناقض الوداعة والمسالمة؛ وأما التشاؤم فذاك أن يقول القائل: هذا شأن الموادعين فكيف بالضراوة المقتحمين؟!
ومع هذا نقول ويقول هكسلي: إن علاج الحرب نفسي وليس باقتصادي على زعم الاشتراكيين أصحاب التفسير المادي للتاريخ، وإن المعيشة تابعة لحالة النفس قبل أن تكون الحالة النفسية تابعة للمعيشة. فهذب الرجل وأصلح من ذوقه وتفكيره ينتقل من منزل إلى منزل ومن حي إلى حي ومن كساد إلى كساد ومن طعام إلى طعام، وهكذا يكون العلاج لآفات الأمم في هذا الزمان
وقد وعدنا في المقال السابق أن نلم بأسباب الحرب الاقتصادية كما يراها مؤلف الكتاب. فأهمها وأسبقها تاريخاً في نظره هو التماس المرعى الخصيب وانتزاعه من أيدي مالكيه؛ ثم تبدل هذا الباعث في زماننا فحل التماس الأسواق محل التماس المرعى الخصيب، وأدى التماس الأسواق إلى إنشاء المصانع في البلاد المستعمرة فقام النزاع بين المصالح في أيدي الأقوياء والضعفاء على السواء