للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبذلك أضحوا قوة سياسية يحسب حسابها، ولما كثر جمعهم وقوى أمرهم طلب زعيمهم بالشام بهرام الاستراباذي من صاحب دمشق حصنا يأوي إليه مع أنصاره، فأقطعه قلعة بانياس (سنة ٥٢٠هـ)، فتحصنوا بها، ولم يأت منتصف القرن السادس حتى كانت لهم في الشام سلسلة من القلاع المنيعة بين طرابلس وحماة، يتخذونها قواعد للإغارة والدفاع، وحتى غدوا عاملا قويا في حوادث هذا العصر وتطوراته.

كان الدواية والاسبتارية يعملون في البداية لخدمة القضية الصليبية ونصرة الأمراء الصليبين، وكانت نظمهم ووسائلهم تشبه من بعض الوجوه نظم الإسماعيلية ووسائلهم من حيث اعتمادهم على التآمر والدس والاغتيال المنظم، ثم استحالوا غير بعيد إلى جماعات سرية نفعية ترتكب جرائمها، وتبحث عن مغانمها حيثما استطاعت دون النظر إلى اعتبار الدين أو القومية؟ أما الإسماعيلية فإنهم بالرغم من ثوب الرياء المذهبي الذي أسبغوه على عقائدهم الدينية والسياسية، ظهروا على مسرح الحوادث طائفة مغامرة لا عهد لها ولا ذمام تبحث وراء طالعها في هذا المعسكر أو ذاك، وتتقلب في خدمة المسلمين والفرنج طبقا للحوادث والظروف، وتدس ما استطاعت بين أمراء الفرنج وأمراء المسلمين لتجني ثمار دسها؛ وكان يحسب أعظم وأقوى الأمراء من الفريقين؛ وقد ارتكب دعاتها عدة جرائم سياسية رنانة ذهب ضحيتها جماعة من أكابر الأمراء والقادة، وكان لها أثر كبير في تطور الحوادث والمعارك في بسائط الشام.

كان الإسماعيلية يمثلون في الشام نفس الدور الذي كان يمثله زملاؤهم في فارس، وكان أولئك الدعاة والمتآمرون الأذكياء يبثون أينما حلوا بذور التوجس والروع، وكانوا يمتنعون بقلاعهم الشاهقة يتحينون فرص العمل الخفي الغادر؛ وكان الفدائية منهم - وهم الذين يناط إليهم تنفيذ الجرائم السياسية - رجالا من أخطر طراز يمتازون بالإقدام المدهش، لا يتهيبون الموت، ولا يردهم عن غايتهم شيء؛ ولم يتخذ زعماء الإسماعيلية قط لقب السلطنة أو الإمارة، ولكنهم كانوا يقنعون بلقب المقدام أو الشيخ أو شيخ الجبل؛ وكان هذا اللقب الأخير يطلق بنوع خاص على زعيم الإسماعيلية في الشام، وإن كان الرحالة مركوبولو الذي عرف الإسماعيلية ودعاتهم في فارس يحدثنا بأن كبيرهم ينعت أيضا بشيخ الجبل؛ وعلى أي حال فإن كلمة الشيخ تعني هنا السيد أو الرئيس خلافا لما ذهب إليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>