الرواة الفرنج المعاصرون من اعتبارهم الشيخ هنا بمعنى (الرجل العجوز)، وهو خطأ شائع في معظم التواريخ الفرنجية.
وكان مقدم الإسماعيلية أو شيخ الجبل في الشام في أواسط القرن السادس زعيماً وافر الجرأة والذكاء هو راشد الدين سنان ابن سلمان؛ ولا تعرف الرواية سناناً إلا بأنه مقدم الاسماعيلية، ولا تحدثنا عن أصله ونشأته، ولكن لاريب في أنه أحد أولئك الدعاة المغامرين الذين يكتنف الغموض حياتهم الأولى، ثم يظهرون فجأة على مسرح الحوادث. وكان مقره في حصن مصياب (أومصياف) على مقربة من طرابلس وهو يومئذ أمنع حصون الإسماعيلية بالشام؛ وكان هذا الداعية الإسماعيلي يخفي مشاريعه ومطامعه الدنيوية تحت ستار من الورع المؤثر، ويبدو دائما في صفة الإمام الديني، ويرتدي الثياب الخشنة، ويعظ أنصاره طول اليوم من فوق رابية، ويحيط كل حياته بحجاب من الغموض حتى قيل إنه لم يوقظ نائماً أو آكلاً أو شارباً؛ على أنه كان بالرغم من هذه المظاهر الورعة الخلابة مغامراً لا ذمام له، يتربص فرص الوثوب والفتنة، ويتقلب في خدمة الصديق والعدو معاً؛ ولم ير سنان بأسا من مخالفة الفرنج الصليبين، فنراه يتصل بأموري ملك بيت المقدس، ويرسل إليه الداعي بهاء الدولة سفيراً ليسعى لديه إلى إعفاء الإسماعيلية من الجزية التي تعهدوا بدفعها؛ ونجح السفير في مهمته، ولكن قتلة الداوية (فرسان المعبد) حين عودته؛ وخشي ملك الفرنج عواقب هذه الجريمة، فاعتقل القتلة وقضى عليهم بالسجن، وذلك استبقاء لمودة الإسماعيلية واتقاء بطشهم.
ولعب سنان في حوادث هذه الفترة دوراً عظيما؛ ومع انه لم يكن قويا بجسمه وقواه المادية، فقد كان قويا بدسائسه ووسائله الإرهابية الخطرة؛ وكان أمراء الشام المسلمون يرهبون جانبه ويلتمسون محالفته؛ ولما تألق نجم صلاح الدين وقبض على زمام الأمور في مصر اتجهت أبصار خصومه إلى الإسماعيلية أو الحشيشية كما تسميهم الروايات المعاصرة، لما عرف من انهم كانوا يأكلون أوراق الحشيش؛ ففي سنة ٥٦٩هـ (١١٧٣م) دبر أنصار الدولة الفاطمية الذاهبة مؤامرة لقلب حكومة القاهرة، واغتيال صلاح الدين، وفكروا في الاستعانة بالفرنج كما فكروا في الاستعانة بسنان شيخ الجبل، فبعثوا إليه ليدبر كميناً لاغتيال السلطان (صلاح الدين) على يد بعض الفدائية سواء في الشام أو في مصر