ووعدوه بالمنح والعطايا الجزيلة؛ ولكن سرعان ما افتضحت المؤامرة وقبض على مدبريها وأعدموا، ولم تسنح الفرصة في هذه المرة ليعمل شيخ الجبل؛ ولكن الفرصة سنحت غير بعيد؛ ففي أوائل سنة ٥٧١هـ (١١٧٥م) كان صلاح الدين على رأس جيشه في شمال الشام على مقربة من حلب، وكان من برنامجه سحق الإمارات المستقلة التي تمزق الشام وتجعل منه فريسة هينة للفرنج الصليبين؛ وكان أتابك الموصل عز الدين مسعود يخشى على ملكه إذا استولى صلاح الدين على الشام، فاتفق مع سنان شيخ الجبل على اغتيال صلاح الدين أثناء وجوده بالشام؛ وكان الإسماعيلية أو الحشيشية يرون في تقدم صلاح الدين خطراً داهماً على سلطانهم فكانوا يرحبون بكل مؤامرة أو مشروع لسحقه؛ ففي الحال بعث سنان بعض الدعاة الفدائية إلى معسكر السلطان (صلاح الدين) فاندسوا إليه متنكرين. وفي ذات مساء استطاع أحدهم أن يصل إليه وهو في خيمة بعض الأمراء يفحص خطط الدفاع، ثم انقض عليه وطعنه في رأسه بخنجره، وكان صلاح الدين يعرف غدر الباطنية ويحترز منهم بارتداء الدروع المصفحة، فحالت قلنسوته الصلبية دون إصابته؛ فحول القاتل عندئذ خنجره إلى خده فجرحه جرحا شديدا، ثم دفعه إلى الأرض وحاول أن يجهز عليه؛ وذهلت بطانة السلطان لهذه المفاجأة الغادرة مدى لحظة، ولكنهم بادروا إلى القاتل، وطعنه أحد الأمراء بسيفه فأرداه؛ فبرز من جوانب الخيمة آخرون من الباطنية الفدائية متنكرين في زي الجند، وحاول أحدهم أن ينقض على السلطان، فتلقاه بعض البطانة وقتلوه، واشتد الاضطراب والهرج، وقتل في هذه الواقعة عدة من الدعاة الإسماعيلية؛ ونجا صلاح الدين من خناجرهم بأعجوبة، وانهار مشروع شيخ الجبل وحلفائه مرة أخرى.
وأدرك صلاح الدين ما يحيق به وبسلطانه من الخطر من غدر الإسماعيلية ومؤامراتهم، فعول على مهاجمة قلاعهم وسحق نفوذهم، فسار إليهم في العام التالي (سنة ٥٧٢هـ)، وحاصر مصياب أمنع قلاعهم، وفيها مركز زعامتهم؛ فاستغاث سنان شيخ الجبل بصاحب حماة وهو خال السلطان، ورجاه أن يشفع لديه فيهم، وتعهد له بالتزام الحيدة والولاء نحو السلطان، وهدده في نفس الوقت إذا أبى هذه الشفاعة، فخشي الأمير من وعيدهم، وبذل وساطته لدى السلطان حتى أقنعه بالعفو عنهم، فغادر قلاعهم بعد أن أخذ عليهم المواثيق والعهود؛ ولزم الإسماعيلية وزعيمهم بعد ذلك خطة الولاء نحو السلطان إما خشية سطوته،