خالداً كان بواسط حينما أمر بسجن الكميت، وأنه كتب بسجنه إلى واليه بالكوفة
والرواية الأولى تذكر أن الكميت حينما أتى إلى الشام مشت رجالات قريش في أمره إلى عنبسة بن سعيد بن العاص، فمشى فيه إلى مسلمة بن هشام فأمنه وأجاز أبوه هشام أمانه؛ أما الرواية الثانية فتذكر أنه حينما أتى الشام قصد مسلمة بن عبد الملك، وتذكر أن مسلمة لا عنبسة هو الذي مشى فيه إلى مسلمة بن هشام، وأن مسلمة بن هشام أجاره فلم يجز أبوه جواره، فاحتال له بقبر أخيه معاوية وأولاده، وقد اتفقت الرواية الثالثة معها في هذا على خلاف قليل بينهما
والرواية الأولى تذكر أن الكميت حينما عرض عليه الالتجاء إلى مسلمة بن هشام رضي به، وقد اتفقت الرواية الثانية في ذلك معها على خلاف قليل بينهما، أما الرواية الثالثة فتذكر أنه لم يرض بالالتجاء إليه، وأنه قال لمسلمة بن عبد الملك حينما عرض ذلك عليه: بئس الرأي! أضيع دمي بين صبي وامرأة، فهل غير هذا؟
وهذه هي أهم وجوه الخلاف بين هذه الروايات المضطربة، وقد يكفي هذا عند بعض الناس لدفعها كلها، وعدم الوثوق بشيء منها، ولكن ما قيمة البحث في هذا العصر إذا كانت تقنعه هذه الغاية السهلة، ويكفيه في مثل هذا أن يقول إني أشك في هذه الرواية، أو نحو هذا مما لا يكلف الباحث عناء ولا تعباً؟ وإنما قيمة البحث الحديث في تمحيصه أمثال هذه الروايات، والاجتهاد في ترجيح بعضها على بعض، والوصول إلى الحقيقة بالتعمق في البحث
ونحن نرجع أن الهاشميات نفسها هي التي كانت سبباً في المنافرة بين الكميت وخالد بن عبد الله، لأنه لا يعقل أن يسكت خالد عن تبليغ أمرها إلى هشام بن عبد الملك، وهي من الخطورة بهذا الشأن الذي أقام هشاماً وأقعده حينما بلغته. وقد كانت هذه العهود مملوءة بالوشايات والدسائس، وكان ولاة بني مروان معرضين بهذا للنكبات الشديدة التي كانت تصيبهم منهم، ولا يخفى أمرها على من يعرف تاريخهم. ولا شك أن هذا كان يوجب على هؤلاء الولاة أن يحتاطوا لأنفسهم في مثل هذه الأمور، وألا يسكتوا عن تبليغ مثل الهاشميات إلى ملوكهم إلى أن تبلغ من غيرهم، ويتخذ بها أعداؤهم حجة عليهم عند ملوكهم
وقد يكون حديث الجاريات الحسان اللاتي رواهن خالد الهاشميات صحيحاً، ويكون هذا منه