تلطفاً في الحيلة إلى تبليغها إلى هشام بن عبد الملك، أو تخلصاً من تبعة تبليغها عند قوم الكميت وأشياعه، لأن حال الولاة في مثل هذه العهود المضطربة يكون مضطرباً بين إرضاء ملوكهم وإرضاء الرعية الناقمة عليهم. والظاهر كما يؤخذ من بعض هذه الروايات أن خالداً هو الذي سهل للكميت سبيل الهرب من سجنه، وأنه كان يسلك بذلك كله موقفاً يخرجه من هذه المشكلة. وقد أرضى هشام بن عبد الملك وجعل لنفسه بعض العذر عند أنصار الكميت، إذ كان يؤثر في سياسته ملاينة الشيعة
أما المعارضة بين الكميت والأعور الكلبي فالظاهر أنها كانت بعد سجن الكميت ورضا هشام عنه، كما يؤخذ من الرواية الثالثة لأنه كان يمدح في قصيدته التي يعارضه فيها بني مروان ويفخر بهم عليه، وقد كان قبل سجنه يطعن فيهم أشد طعن، ويهجونهم في هاشمياته شد هجاء، فلا يعقل أن يجمع في هذا العهد بين هجائهم ومدحهم والافتخار بهم، وهو لم يلجأ إلى مدحهم إلا مضطراً بعد ما لقي من السجن والحكم عليه بالقتل
ومما يؤيد هذا ما رواه أبو الفرج الأصبهاني قال: أخبرني عمي وابن عمار، قالا حدثنا يعقوب بن إسرائيل، قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله الطلحي عن محمد بن سلمة بن أرتبيل: أن سبب هجاء الكميت أهل اليمن أن شاعراً من أهل الشام يقال له حكيم بن عياش الكلبي كان يهجو علي بن أبي طالب عليه السلام وبني هاشم جميعاً، وكان منقطعاً إلى بني أمية، فانتدب له الكميت فهجاه وسبه فأجابه ولج الهجاء بينهما، وكان الكميت يخاف أن يفتضح في شعره عن علي عليه السلام لما وقع بينه وبين هشام، وكان يظهر أن هجاءه إياه في العصبية التي بين عدنان وقحطان، فكان ولد إسماعيل بن الصباح بن الأشعث بن قيس وولد علقمة بن وائل الحضرمي يروون شعر الكلبي، فهجا أهل اليمن جميعاً إلا هذين، فإنه قال في آل علقمة:
ولولا آلُ علقمةَ اجتدعْنَا ... بقايا من أنوفِ مُصَلَّعينَا
وقال في إسماعيل:
فإن لإسماعيل حقاً وإنَّنا ... له شاعبو الصدعِ المقاربِ للشَّعْب
وكان لآل علقمة عنده يد، لأن علقمة آواه ليلة خرج إلى الشام، وأم إسماعيل من بني أسد، فكف عنهما لذلك