فهذه الرواية صريحة في أن هذه المناقضة كانت بعد الذي وقع بين الكميت وهشام من عفوه عنه، فلا يصح أن تكون هي السبب في المنافرة بين الكميت وخالد بن عبد الله، وما جرته هذه المنافرة من السجن ثم العفو، بل الظاهر أن بني مروان بعد أن وصلوا إلى إسكات الكميت، عن المضي في هاشمياته أخذوا يعملون على إبطال أثرها في النفوس، فسلطوا الأعور الكلبي على مناقضتها، وهجاء علي عليه السلام وبني هاشم جميعاً
وأما ما ذكر في الرواية الثالثة من أن سبب المنافرة بين الكميت وخالد شعر الكميت في تحريض هشام على خالد، واتهامه إياه بأنه يريد خلعه - فهو أقرب إلى الصحة مما ذكر في الرواية الأولى والثانية، ولعل الكميت فعل هذا سعياً في إفساد الأمر بين بني مروان وولاتهم، لا حباً في هشام وإرادة النصح له. وما نريد بعد هذا أن نمضي في تمحيص ما تعارضت فيه تلك الروايات، لأن ثمرة هذا التمحيص لا توازي عناءنا فيه، ولا تذكر بجانب الملل الذي يصير بنا إليه
وقد أخذ الكميت بعد عفو هشام عنه يمدحه ويمدح ولاته ووجوه دولته، ويقبل في ذلك صلاتهم وجوائزهم، ولكن مدحه لهم في نظير ذلك كان مدحاً تجارياً كسائر ما مدحوا به من شعراء عصره، ولم يكن لغاية نبيلة كتلك الغاية التي مدح بها بني هاشم في هاشمياته
والحقيقة أنه لم يكن مخلصاً في مدح بني مروان مع ما كان يناله من دنياهم، وإنما كان يأخذ في ذلك بالتقية التي يأخذ بها الشيعة في مذهبهم جميعاً، ولم يكن ذهابه إلى هشام بالشام إلا برضا أهل البيت وشيعتهم ليحقنوا بذلك دمه، ويخلصوه مما كان يراد به
وإذا كان الكميت قد أجاد في مدح بني مروان فإنما كان ذلك منه لأنه كان شاعراً فحلاً لا يرضى أن يكون شعره في ذلك دون غيره، فكان بذلك يقضي حق شعره عليه، ولا يقضي حق بني مروان في عطائهم وبذلهم له، لأنه لم يكن من أولئك الشعراء الذين يمدحون للعطاء، كما سبق ذلك في رفضه عطاء بني هاشم على مدحه لهم. وقد قال أبو الفرج الأصبهاني: أخبرني محمد بن خلف بن وكيع، قال حدثني أبو بكر الأموي، قال حدثني إسماعيل بن حفص، قال حدثنا ابن فضيل، قال سمعت ابن شبرمة قال: قلت للكميت إنك قلت في بني هاشم فأحسنت، وقلت في بني أمية أفضل، قال: إني إذا قلت أحببت أن أحسن فلم يكن الكميت إذن يمدح بني مروان عن عقيدة كما كان يمدح بني هاشم، ولم يكن إحسانه