فأصابت ذلك الأب فخر صريعاً، وجرى الأخوان نحو الكوخ، وبرز من بين الأشجار أحد الهنود الحمر وحمله يريد أن يأخذه إلى داخل الغابة بعد موت أبيه، لولا أن صوب أكبر الأخوين بندقيته التي أحضرها من الكوخ مسرعاً، إلى رأس ذلك الهندي فأرداه قتيلاً
فسمع الطفل ذلك الحديث وقد علقت أنفاسه ودق قلبه إذ رأى مبلغ ما أحدق بأبيه من الخطر، ورأى أنه أشرف على الموت لولا بسالة عمه لذهب كما ذهب جده، وهاله موت جده على تلك الصورة، وكان ذلك كل ما عرفه عن ذلك الجد، أو قل كان هذا هو نصيب جده من العظمة ومن جاه الحياة! ولكن متى كان الإنسان بجدوده وآبائه؟ وأي فضل لامرئ يرث الجاه ولا يكسبه ويُعْطى العظمة ولا يبنيها؟
تلك هي حياة (أيب) وذلك هو محيطه وهو في السابعة. أجل هي تلك حياة رئيس الولايات المتحدة في أولى مراحلها في أحراج مقاطعة كنتوكي حيث لا مدنية ولا تعليم ولا رفاهة! كلا، بل لقد ذهب الغلام إلى المدرسة في خاتمة تلك المرحلة؛ ولكن أية مدرسة هي؟ كانت كوخاً من كتل الخشب أقيم كما أقيم كوخه الذي يعيش فيه، وكانت تبعد عنه نحو أربعة أميال، وكان يذهب إليها كلما استطاع أن يطلقه أبوه من أعمال النجارة في الغابة فيجلس ساعات مع الصبية على الأرض إلى معلم يعلمهم الهجاء بأن يناولهم كتاباً واحداً يمر عليهم جميعاً الواحد بعد الآخر فيتعلمون الحروف ورسمها ونطقها! ويسأل الصبي نفسه في لهفة شديد متى يستطيع أن يكتب ويقرأ كما تفعل خالته وأمه؟ وإن ذلك غاية مبتغاه ومنتهى هواه