للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن يلمسه

على أن مجال الحياة يتسع أمامه بعد أن تخطى سنته الخامسة إذا انتقلت الأسرة فأقامت كوخاً جديداً على طريق مطروقة كانت تؤدي إلى إحدى المدن القريبة. وهناك يرى الغلام أنماطاً من الناس غادين رائحين ويرى دواب وعربات وأشكالاً من الملابس تختلف اختلافاً كبيراً عما اعتاد رؤيته على جسد أبيه، فيتأمل ويعجب بينه وبين نفسه

وفي السابعة من عمره يصحب الغلام أباه إلى الغابة، هنالك حيث بدأ يقوم بنصيبه من العمل، فيساعد ذلك الأب الذي يقطع الأخشاب ويصنع الأثاث ويبيعه، ويكسب من وراء ذلك نقوداً تحتاج إليها الأسرة، وإنه لفخور الآن بمساعدة أبيه، لا يحفل بتعب في تلك المساعدة التي يباهي بها أخته، وإن كانت هي أيضاً تقوم بنصيبها في مساعدة أمها؛ ولكن هل كانت (سارا) تستطيع أن تسوي الخشب وتجره وترتبه؟ هل كانت تستطيع أن تحمل الصيد إلى الكوخ كما كان يفعل (أيب) الصغير؟

كان لا ينقطع عن العمل إلا في أيام الآحاد، إذ يجلس وأمه وأخته وأباه أمام الكوخ فيستمع في شغف ولذة لما تلقي أمه من أقاصيص وما تتلو من حكايات مشتقة من الإنجيل. ولقد أحدثت تلك الحكايات في نفس الغلام أثراً عميقاً وظلت مسحتها الدينية تلازمه بعد ذلك في جميع أطوار حياته

وجاء بعض ذوي قرباه فأقاموا إلى جوارهم وأقبل الغلام على خاله وخالته يستزيدهما الأنباء والأقاصيص، وكم كان معجباً بتلك الخالة التي تكتب وتقرأ وتحبذ أن يتعلم الغلام القراءة والكتابة على الرغم من إعراض أبيه عن ذلك وعدم اهتمامه به

وبدا للغلام يوماً فسأل عن أسرته، وأين نشأت، وممن انحدرت؟ فسمع ردوداً مبهمة لم ترو ظمأ نفسه، وماذا كان يتوقع الغلام؟ أكان يحسب نفسه سليل سادة أكابر؟ ولكن ما كان أبعد فكره عن هذا؟ وهل رأى غير بيئته وأسرته؟

ولئن سمع غيره من الأطفال من آبائهم عما كان عليه جدودهم من عظمة وما تقلبوا فيه من نعيم الحياة ورفيع المناصب، لما كان لمثله أن يسمع شيئاً من هذا. وأنى له ذلك وهو ابن الأحراج والأدغال!؟. وغاية ما سمعه عن جده ما حدثه به أبوه ذات مرة، أنه بينما كان يساعد أباه - جد (أيب) - في الغاب ومعه أخواه إذ انطلقت رصاصة من بين الأدغال

<<  <  ج:
ص:  >  >>