لغير روحياته، وكم بين الشرق والغرب من شذوذ وفوارق!
الحياة المدرسية في حاضرتنا متشعبة الأطراف، حسبي أن أزودك منها بقطفة العجلان ولمحة الطائر، مخططاً لك فكرة عامة سوف أشفعها بتفصيل واف قد يرضي الأستاذ علياً الطنطاوي ومن شاطره رغبته
يزدحم في جوامع النجف الأشرف ألوف المهاجرين لانتجاع الثقافة الإسلامية قد امتطوا ظهور الأسفار من كل حدب وصوب من شتى الأقطار الشيعية. ففيها العشرات من سورية من جبل عامل وغيره، والألوف من مختلف أنحاء إيران وفيها من سمرقند وبخارى وغيرهما من تركستان، وفيها من أذربيجان وفيها الكثير من الهند والأفغان وهضبة التبت، هذا عدا من يرتادها من أطراف العراق ومن شيعة الحجاز. لذلك قد شيدت في النجف الأشرف المدارس العديدة ذات الغرف المعدة للإيواء الغرباء حيث يكفل المجتهدون (وهم أئمة الشيعة الذين يرجعون إليهم في بيان أحكام دينهم مستنبطيها من القرآن والحديث وأسس التشريع الإسلامي) ضمان معاشهم وتجهيزهم بأهبة الدراسة، ينفقون عليهم من بيوت المال التي تصب فيها الشيعة الذهب والفضة من كل ناحية وجانب باسم الزكاة والخمس وحق الإمام وأثلاث الموتى وغير ذلك من الوجوه الشرعية
يبدأ الطالب بدراسة النحو والصرف فينكب على الأجرومية ثم شرح القطر لأبن هشام، ثم شرح ألفية ابن مالك لأبن بدر الدين (هذا منهاج الطلاب العرب، أما الفرس فيدرسون كتباً بعضها بالفارسية يلمحها مجلد باسم جامع المقدمات، ويدرسون شرح السيوطي لألفية ابن مالك) ثم يتناول الطالب مغني اللبيب لأبن هشام، ثم يشرع في المنطق فيدرس حاشية الملا عبد الله على منطق التهذيب، ثم شرح الشمسية، ويتوسع بشرح المطالع ومنطق إشارات ابن سينا وشرحه وكتب كثيرة كحاشية الخبيصي ومختلف كتب المنطق مجهداً نفسه بمراجعة الشروح والحواشي عليها بأسلوب ودراسة لا تعرف النظرة السطحية؛ ومن ثم ينكص قافلاً إلى الأدب فيدرس شرح التفتازاني المطول لتلخيص المفتاح في المعاني والبيان والبديع ويتوسع بمراجعة الإيضاح ومفتاح العلوم للسكاكي وشرح السيد الشريف للقسم الثالث منه، ولا يذر مؤلفاً في البيان إلا ويوسعه تمحيصاً
وبعد علوم البيان يخوض الطالب غمار التشريع الإسلامي وقد سبب انفتاح باب الاجتهاد