دع هذا العالم المجهود البائس وجل جولة بالفكر في بلاد العالم الإسلامي، فهل تجد إلا السلام في المجتمع، والوئام في الأسرة، والسكينة في النفس، والرضا في العيش، والثقة في الحاكم، والأمل في الله؟ ذلك هو الفرق بين نظام يضعه الخالق ونظام يضعه المخلوق. وذلك هو الفرق بين مجتمع يعيش بالروح، ومجتمع يعيش بالآلة. وذلك هو المفهوم من دين سماه الله الإسلام، وجعل تحية أهله (السلام)، وقرن فيه الصلاة دائما بالسلام، وعرف أهله بأنهم (الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)
ذلك هو معنى الإسلام وذلك هو مبدأه. وتستطيع أنت بأيسر الفهم أن ترجع الإسلام وفروعه إلى تحقيق هذا المعنى وتطبيق ذلك المبدأ؛ فالصوم والصلاة سلام الفرد. والحج والزكاة سلام المجتمع؛ والسنن والأنظمة والآداب التي انشعبت من هذه الأصول دستور ثابت خالد يحقق لهذا الإنسان، طريد العدوان وعبد الطغيان، أحاديث أحلامه، وهواجس أمانيه، من الأخوة التي يعم بها النعيم، والمساواة التي يقوم عليها العدل، والحرية التي تخصب فيها المدارك؛ لأنه دستور لم يوحه الجوع ولا الطمع، وإنما أوحاه الذي خلق الموت والحياة، وجعل الظلام والنور، وأوجد الفساد والصلاح، ليدرأ قوة بقوة، ويصلح نظاماً بنظام، وينقذ إنساناً بإنسان
إن الإسلام بشريعته السمحة، وسياسته الحكيمة، قد أزال الفروق، وعدل المقاييس، وألف القلوب بالبر، وشفى الصدور بالتعاون، فلا يمكن أن يعيش في ظله نظام هادم ولا نحلة مفرقة. افتحوا ثغوره للنظم الحمراء التي تشيع الفزع هنا، وتثير الحرب هناك، فسترونها تفد جارفة وفود النسور الخاطفة، ثم لا تلبث أن تقع من دون ذراه المنيعة، مهيضة الجناح، ناسلة الريش، لا تقوى على زفيف ولا حفيف! وفي تركية الدليل الحاسم، فإن بينها وبين الشيوعية جواراً وصداقة وعلاقة؛ ومع ذلك لم تستطع الشيوعية - على فجورها وجرأتها - أن تقتحم على الإسلام غِيله.
إن في الإسلام من ديمقراطيته واشتراكيته وأخوته مناعة على كل شر، ومثابة لك جنس، ومودة لكل دين. فانتصاره انتصار للعقل، وانتشاره انتشار للعدل، وسيادته سيادة للسلام!