ولم يكد الشاعر يبرز الورقة وما تبقى معه من الجواهر، ولم يكد الملك ينظر إلى الجواهر في يديه، حتى اهرع إلى برديتا وهو يصيح:(ابنتي! ابنتي! تعالي يا برديتا! تعالي إلى صدر أبيك الشقي!) ثم ضمها إلى صدره، وراح ينشج نشيجاً مؤلماً ويذري عبراته الحرار على صدر الفتاة المشدوهة، التي تركت نفسها حائرة مستريبة في حضن الملك، وهي لا تفهم من هذا المشهد المؤثر شيئاً مطلقاً. . .
إذن قد عرف الملك جواهره التي أهداها بيده إلى هرميون ليلة زفافها! فهذه آية لا يسمو إليها الشك. . .
وكانت بولينا - زوجة أنتيجونوس حاضرة - وهي التي حملت برديتا من السجن لتلقي بها بين يدي الملك - فلما أخذت الورقة من يد الراعي لم تشك في أنها هي نفس الورقة التي كتبها زوجها وثبتها بيده في ثوب الطفلة. . . فكانت هذه آية أخرى. وبالرغم مما علمت بولينا من أمر زوجها، وما صنع به الدب، فإنها فرحت بعودة برديتا فرحاً أنساها أشجانها
وآية ثالثة. . . فقد ذكر الملك الشطر الأخير من نبوءة دلفي (سيعيش الملك بلا وارث إن لم تعد إليه طفلته المفقودة!) فأيقن أنها هي، وأن أبوللو لم يكذب!
وفي هذه الثورة الهائلة من الوجد الجارف، والذكريات المؤلمة، تقدمت بولينا إلى الملك ببشرى رائعة!
ذلك أنها كانت قد حرست على تخليد ذكرى هرميون، فكلفت المثال الصناع الشهير جوليو رومانو بنحت تمثال للملكة المغفور لها، فجاء التمثال طبقاً لهرميون الخالدة، ثم توسلت إلى الملك أن يتفضل فيذهب إلى منزلها، ليرى أن تمثال هرميون هو صورة حقيقية لبرديتا!
وذهب الجميع إلى بيت بولينا. . . وأزاحت بولينا الستار فبدا التمثال الرائع. . . ووقف الملك مسبوهاً أمامه يتأمله. . .
وذكر الملك أن هرميون تبدو في التمثال اكبر من سنها الحقيقية، فلفتته بولينا إلى أن المثال قد أضاف إلى عمر هرميون هذه الست عشرة سنة!
ولاحظت بولينا ما انتاب الملك من الحزن، فاستأذنته في إسدال الستار على التمثال. . . وهنا - يدور هذا الحديث الباكي:
- لا. . . لا تستدلي الستار يا بولينا! ليتني مت قبل هذا!! أنظر يا كاميللو؟! ألا ترى إليه