كأنه يتنفس يا صديقي؟! ألا ترى إلى عينيها كأنما تتحركان وترنوان؟!. . . لا تسدلي الستار يا بولينا! إني أحس كأن عشرين سنة تتكلم من فم هذا التمثال! أوه - ها هي ذي الحياة تدب فيه! فيا للناحت الذي يضع الأنفاس في الصخر؟! ليهزأ بي من يهزأ، فلا بد أن أقبل الشفتين الحمراوين!
- مولاي. . . حاشاك يا مولاي. . . إن الزيت ما يزال غضّاً وقد تعلق الحمرة بفمك! فلأسدل الستار، فهذا خير!
- لا. . . ليست هذه السنون العشرون!)
وبينما كان الملك يتكلم، كانت برديتا الحزينة ساجدة أمام التمثال تبكي وتصلي، وتتمتم باسم أمها الميتة
وتوسلت بولينا إلى الملك مرة ثالثة في أن تنزل الستار على التمثال رحمة به. . . (وإلا، فأذن لي يا مولاي أن آمر التمثال فيتحرك ويتكلم، فإني قد عُلمتُ من السحر ما أصنع به هذا!)
وعجب الملك، ثم أذن لها. . . (لأني مستعد أن أرى بعيني وأن اسمع بأذني!)
وهتفت بولينا بأسماء كثيرة، فسمع الواقفون موسيقى عذبة تنسكب في آذانهم وتدب منها في أرواحهم، ثم أشارت إلى التمثال فنزل من فوق قاعدته المرمرية، وخطر نحو الملك، ثم ألقى ذراعيه على عنقه وقبله. . . وضمه في حنان وعطف، وتركه وتوجه نحو برديتا فاحتضنها كذلك، وطبع ألف قبلة على خديها وفمها وجبينها، ثم جعل يتكلم فيقول: آه يا ابنتي! الحمد للآلهة فقد عدت أخيراً إليّ!. . .)
مرحى بولينا مرحى!!!
لم يكن هذا تمثالا كما زعمت بولينا، بل كانت هرميون نفسها! إي والله! كانت هرميون لأنها لم تمت، كما زعمت بولينا للملك، لكي تنقذ الملكة من سجنها السحيق، ومن مأساتها الدامية
وعاشت هرميون مع بولينا طوال هذه السنين مفضلةً ألا تعود إلى الملك الذي تأكد من براءتها، لأنها لم تشأ أن تغفر له ما صنع بابنتها. . . فلما أعلن عن عودة برديتا، دبرت بولينا هذا اللقاء العجيب!