لقد تداعى الأدباء إلى ميعاد يحتفلون فيه بتأبين الرافعي، وجاء الميعاد وتخلف المدعو والداعي؛ وترادف ميعاد وميعاد وميعاد، ومضى عام، وعلى مكتب كل أديب دعوة لتأبين الرافعي، وفي ذيل كل دعوة جواب المدعو وبخطه أو بلسانه:(يرحمه الله! يرحمه الله!)
وعند دكاكين الوراقين أسئلة عن كتب الرافعي، ولكن السوق ليس فيه كتاب من كتب الرافعي؛ وقال قائل:(أعيدوا طبع الديوان، أعيدوا طبع إعجاز القرآن، أعيدوا. . أعيدوا. .)
وقال الطابع والناشر والوراق:(يرحمه الله! يرحمه الله!)
وعلى مكتب الرافعي كتب لم تطبع، وقصاصات لم ترتب، وثمرة عقل خلاق كان يجهد جهده ليضيف كل يوم إلى العربية ثروة جديدة وفكراً جديداً. وقلنا:(يا وزارة المعراف، هذه كتب إن لم تخرج للناس سبق إليها العث والفئران فيضيع على العربية كنز ما لها منه عوض!) ولكن وزارة المعارف في أحلامها الهنيئة لا تسمع ولا تجيب، إلا همساً في أمثال أنفاس النائم تردد قول الناس:(يرحمه الله! يرحمه الله!)
وفي الأمة مع ذلك أدباء، وفي الأمة كتاب وشعراء، وفي الأمة ناشئة غافلة ما تزال ترجو الخلود في الأدب. . .
وفي الأمة عقول ناضجة في أجسام مهزولة من الفقر والجوع؛ وفي الأمة رءوس ممتلئة على أناسي تضطرب كل مضطرب للبحث عن القوت
وفي الأمة. . . وفي الأمة رءوس فارغة على أجسام تكاد تتمزق شبعاً ورياً؛ وفي الأمة. . . وفي الأمة قلوب خاوية في أناسي تتمرغ بين وسائد الدمقس وحشايا الحرير. . .
وفي الأمة. . . وفي الأمة مع ذلك من يتساءل مدهوشاً:(لماذا. . . لماذا لا نجد في الأمة العربية شعراء وكتاباً ومنشئين كبعض من نقرأ لهم من أدباء الغربيين. . .)
يرحمك الله يا مصطفى. . .! بل يرحمك الله أيتها الأمة!