(قلت إنه كان في هذا الجيب خنس علب، فهل تعني أن في جيوبك الأخرى كبريتاً؟)
قلت (لم يخب ضني فيك يا فتاتي. . . ذكية والله!)
وكنا قد بلغنا أول شبرا، فاستوقفني وزعمت أنها تريد أن تشرب، فوقفت، ونظرت إليها - حدقت في وجهها - متفرساً ثم قلت:
(علي بابا يا حميدة؟) وتناولت ذقني بيدي
قالت:(ماذا تعني؟)
قلت:(هل تريدين أن تشربي، أو تريدين أن تريْ ما في جيوبي من الكبريت؟ أنا أريحك، وأرضي فضولك. . خذي!)
وأخرجت من كل جيب بضع علب من الكبريت، وألقيت ذلك كله على المقعد بيننا فصار كوماً صغيراً
فقالت:(إحدى عشرة علبة! مدهش! ما حاجتك إلى كل هذا؟ لماذا تحشو به جيوبك، وفي واحدة منه الكفاية؟
قلت: (هذه أسئلة ليس لها عندي جواب. وما أضن بالجواب لو أني كنت أعرفه، وأحسب هذا مظهراً لبعض ما يخفي على المرء من نفسه، فما أبالي أن أخرج وليس معي فلوس، وليس يكربني أن أكون في مكان منقطع وليس معي سجاير، فإني أستطيع احتمال هذا الحرمان، ولكن لا أطيق أن أمشي إلا إذا كانت جيوبي مفعمة بالكبريت، وأشعر أن رأسي يدور، وأني كالضائع التائه إذا نقص الكبريت الذي معي عن حد الكفاية في رأيي وإحساسي. . . وحدُّها عندي أن تكون جيوبي ملأى. . . وأن أتحسس هذه الجيوب من الخارج فأشعر بالرضى والارتياح. . .
لا أدري لماذا ولكني هكذا. . . والآن أما زالت بك الحاجة إلى الماء تطفئين به ضمأك؟)
فضحكت وقالت (أهذا مظهر لشذوذ العبقرية؟)
قلت (لا تتهكمي. . . إن لكل منا ولعاً بشيء، وحرصاً على شيء. . . وفي وسعك أن تقولي إن لكل منا موضع ضعف، وأحسب أن مواضع الضعف عندي كثيرة، ولكن هذا من