أبرزها، وإن كان أخفاها على الناس، فإن من حسن الحظ أن الناس لا يبلغ من فضولهم في العادة أن يتحسس بعضهم جيوب بعض، وأظنهم يرون انتفاخ جيوبي فيظنون ما فيها ورقاً ولا يستغربون)
قالت (ولكني لا أفهم. . .)
قلت (ولا أنا. . ولا أعلم حتى متى بدأت هذه العادة. . . لقد اعتدت أشياء كثيرة أستطيع تعليلها. مثلاً في وسعي أن أكتب والمدافع حولي تطلق قذائفها، فلا أكاد أسمعها، والمحقق على كل حال، أني لا أتأثر بها، ولا أشغل عما أنا فيه. . . اعتدت ذلك لأن الضرورة قضت به وألزمتنيه. - ضرورة العمل في الصحف اليومية التي يتخذ الزوار من مكاتبها مقهى أو مصطبة أو ناديا. . . وأنا أستحي أن أحجب نفسي أو أرد زائرا، فلم يبق لي مفر من اعتياد العمل في هذا البيمارستان. . . ولكن الكبريت مسألة أخرى. . . لا أذكر متى بدأت احتفظ به وأحرص عليه. . . وأنت تسخرين وتقولين إن هذا مظهر لشذوذ العبقرية أو جنونها. . لا يا سيدتي. . . لا عبقرية ولا يحزنون. إنما هو عندي مظهر لنزعة نفسية خفية كان من الممكن - لو أتيحت لها فرصة. . أن تظهر في صورة أخرى، ولكن ما هي هذه النزعة؟؟ هذا ما لا أعرف. . . ولكن أتعبني كثرة الغوص في أعماق نفسي على الأصل في هذا الحرص على الكبريت، فنفضت يدي يائساً، وأسلمت أمري إلى الله، وللمتهكمين والمتهكمات من أمثال حضرتك. . . .)
فضحكت، فقلت (والآن هل نمضي؟)
وعدت بها إلى بيتها، وقلت لأمها وأنا أسلم عليها (قد رددت الأمانة فاستودعك الله)
فتعلقت بي حميدة وقالت:(حتى تسمع ماما حكاية الكبريت) وسمعت (ماما) حكاية الكبريت، واستغربت - كما كان لا بد أن تفعل - وأسدت إلي نصحاً كثيرا، لا شك أنه نفيس، وأكدت لي أنها تخشى علي الاحتراق، وأيدتها حميدة فزعمت أني كالبركان الذي لا يؤمن انفجاره في أية لحظة، وكانت النتيجة التي لا معدى عنها أن حميدة وماما أخلتا لي جيوبي من الكبريت. . .
وانحدرت إلى الشارع، وأنا أحس أني كما قال القائل (خالي الوفاض، بادي الأنفاض) وكان من المستحيل أن أعود إلى بيتي هكذا، وماذا عسى زوجتي تقول حين ترى أن جيوبي