في كل موقف من تمام التشابه. لكن صاحبنا واسع الحيلة في النقد، يستطيع أن يفرق بين المتشابهات في الخصومة وأن يطبق المبادئ والأصول والقواعد بحيث تأتي الأحكام كما يريد، فيخرج أحد الخصمين دائماً ظافراً والآخر خاسراً وليس بيد أحدهما من الحجة ما ليس بيد الآخر إلا أن الظافر محبوب والخاسر مكروه لدى ناقدنا المجدد الذي لا يعجبه في النقد مذاهب القدماء
ترى كيف أمكن لهذا الناقد أن يخطئ في تطبيق مبادئه هذا الخطأ ويفرق بين الخصمين في المواقف المتشابهة هذا التفريق إن لم تكن عاطفته قد جمحت به وجعلته يجنح عن صراط النقد السوي والتفكير الحر المتزن ذلك الجنوح الكبير؟
إننا قد بدأنا نشفق على هذا الناقد الناشئ من هول ما جنى على نفسه بتسخيره عقله لهواه في أمر كبير كالذي تصدى له. ولو علمنا أن هذا القدر يكفيه ليفئ إلى أمر الله لوقفنا عند هذا الحد رفقا به وإبقاء عليه فإن فيه عناصر ذات قوة لا يحول بينها وبين النفع والخير إلا أنها تحاول أن تشق لنفسها مجرى غريبا آخر تضيع به حتما بدلا من أن تنضم إلى النهر نهر العربية الكريم الواسع الذي أجراه الله لها بالقرآن.
إن هناك في تاريخ العربية، جداول ضلت الطريق إلى هذا النهر فضاع ضعيفها وكوّن قويها مناقع الأدب العربي ومآسنه ودمنه الخضراء الوخيمة. وأدب الرافعي رحمة الله عليه لم يخطئ منه مجرى هذا النهر القرآني إلا القليل، وإلى هذا القليل نبه الأستاذ العريان فيما أرخ للرافعي وإنْ بأسلوب آخر. وعيب الأديب قطب أنه لم يعرف هذا القليل ولا ذلك الكثير على وجهه، ويحاول أن يتوصل بكل سبيل إلى هدم الرافعي الشاعر الكاتب المجاهد في سبيل الله والعربية والقرآن؛ لكن الذي يحاول هدم الحق ينهدم به وإن تحفظ، ونحن نشفق على أخينا سيد قطب من عاقبة معاداة الحق ومجافاة طريق القرآن. فهل له في أن يفئ إلى الحق وإلى أمر الله؟ إننا نكون أول المغتبطين له وبه إن فعل ونستغفر الله إليه مما يسوءه في هذه الكلمات