أواخر العهد العباسي! ويراها من ناحية أخرى معاني مطروقة (يباع كل عشرة منها بقرش في هذه الأيام). حتى إذا قال الرافعي:
يا من على الحب ينسانا ونذكره ... لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
وهو كما ترى معنى على أفواه الناس سبق إليه القصص القديم ولابد أن يكون سبق إليه كثيرون من شعراء الدول المتتابعة أو شعراء غير الدول المتتابعة - حتى إذا قال الرافعي هذا لم يعبه عليه ولم يتنقصه من هذه الناحية! وهل تدري لماذا؟ لأنه يعتقد أن الرافعي أخذ البيت عن العقاد
ويعيب على محمود شاكر توسعه في تبيين مذهب المقتدرين من شعراء العربية في العصور المختلفة في الغرض الذي كان بصدده، يعد ذلك منه جرياً (على النسق الخالي من كتب النقد لقدامة وأبي هلال العسكري ومن ينقلان عنهما من تتبع المعنى تتبعاً زمنياً، وحسبان كل شاعر متأخر أخذ هذا المعنى عن شاعر متقدم. . .) وهو مذهب يظن الكاتب به (القصور والجمود) ومع ذلك فظنه هذا لم يمنعه من حسبان الرافعي قد أخذ بيته المذكور آنفاً عن العقاد كما رأيت. ولعل عذره في ذلك أن الرافعي والعقاد كانا متعاصرين حين قيل ذلك البيت فلا سابق منهما ظاهراً في الزمن ولا مسبوق
ثم يرى ناقدنا أن (الحكم على النيات عمل عسير لا يصح الاستخفاف به) إذا كان الأمر متصلاً بالعقاد ونية طه حسين في تلقيبه إياه بأمير الشعراء، أما إذا كان الأمر متصلاً بنية الرافعي في خصومته للعقاد فعندئذ يزول العسر ويجوز الاستخفاف وتتدخل نظرية فرويد والتحليل النفسي في الموضوع فتجعل كوامن الإنسان تظهر من فلتات اللسان، وتكشف قلم الرافعي في رسائل الأحزان عن الرافعي في أعماقه، وتنبئ ناقدنا ذا التعليل والتحليل أن (أهم أسباب الحقد في نظر الرافعي وأظهر دوافعه) هو (فوقان؟ إنسان على إنسان في النتاج الأدبي) وتجعله يصيح: (وهكذا كان الرافعي مع العقاد)!
هذه ثمانية مواقف في الخصومة القائمة حول أدب الرافعي والتي أثار غبارها سيد قطب وجعل نفسه فيها ناقداً وحكما ليس لأحد الطرفين في موقف منها كلام إلا ويصح أن يقوله الطرف الآخر، ولا يمكن أن يستند في الحكم لأحدهما على مبدأ أو أصل أو قاعدة إلا ويمكن الاستناد على نفس هذا المبدأ أو الأصل أو القاعدة في الحكم للآخر لما بين الطرفين