للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لإطعام بضعة أشخاص مع علمهم بأن بقية الطعام ستذهب سدى. ولقد تعدى كرم البدوي الإنسان إلى الحيوان. ويروى أن عنترة نحر في يوم زفافه مئات الإبل ورماها في البراري لتشاركه الوحوش في فرحه. والبطل السوري مقري الوحوش كان يطلق في البرية كل ما يربحه من غزواته لأنه كان يطلب المجد لا الكسب. وأنا شخصياً أعرف شخصاً اسمه (معشي الذيب) كان يربط جدياً في البرية عندما يسمع ذئباً يعوي قائلاً: (لا يناديني ضيف في المساء دون أن يتناول الطعام). لقد دعوت أنا شخصياً منذ مدة سمو الأمير عبد الله أمير شرق الأردن إلى وليمة بقرب وادي موسى - بتراء، وقد حضر ما يقرب من ٥٠٠ شخص من الفلاحين للسلام على سموه، ولم أكن أتوقع حضور مثل هذا العدد، ولكن رجالي وكلهم من البدو لم يكونوا مستعدين أن يعرضوا أنفسهم لألسنة الفلاحين الجارحة، ولذلك فإن الطعام الذي طهي كان فضلا عن كفايته لإطعام الخمسمائة شخص فقد قدموا رزاً مسلوقاً وزبدة إلى مطايا الزائرين

حماية الضعيف

وبالإضافة إلى الثلاث الخصال التي تتصف الفروسية بها يوجد طبع آخر في البدو يحمل نفس الطابع الخيالي الذي اتصفت به عاداتهم الثلاث (المجد في الحرب. احترام المرأة. الكرم) التي سبق أن ذكرناها - وهو حماية الضعيف. فعندما يلتجئ غريب أو أرملة أو يتيم إلى بدوي تراه يدافع عنه حتى ليقاتل أقاربه لأجله. فمثلاً حرب البسوس التي وقعت منذ ألف وثلاثمائة سنة عندما أطلق كليب وائل - كبير شيوخ معد - سهماً على ناقة لخالة جساس أخي جليلة زوجة كليب فقد ذهبت تلك العجوز إلى جساس وروت له الحادث، فما تمت رواية قصتها حتى قام ولبس ملابس الحرب وذهب وقتل كليباً. ويقال إن حرباً دامت أربعين سنة بين الفريقين المتحاربين كانت نتيجة لهذا الحادث. وقد وقع مثل هذا الحادث في قبيلة الرولا - إذ طلب شيخ من عجوز من قبيلة الشرارات وهي قبيلة تحتقرها بقية القبائل يتخذ رجالها صناعة النحاس مهنة لهم، فاستجارت العجوز بابن مشهور الشعلان الذي أنجدها حتى أطلق على نفسه في الحرب (أخو ربدة) اسم المرأة التي استجارت به زيادة في تمجيد عمله العظيم. ومن عادات البدوي نجدة من يلتجئ إلى الخيمة. وبهذه المناسبة أود أن أذكر حادثاً وقع معي شخصياً عندما ثار فيصل الدويش مع قبائل مطير

<<  <  ج:
ص:  >  >>