الحكومات المستبدة، ومن استهتار الجمهورية ومن إغضاء أغنيائنا عن تعضيده ما لو حدث في غير مصر لتحطمت الأقلام ونضبت الإفهام، وساد الظلام، ولكن كتابنا استبسلوا واحتملوا الفواجع في سبيل الأعراب عن آرائهم الحرة، فنالوا تقدير العارفين وخلدوا في تاريخ مصر المجاهدة صحائف من نور. على أنه لن يمر زمن طويل، ما لم تتأثر مصر بمؤثرات دولية ليست في الحسبان، حتى تهب من أقصاها إلى أقصاها إلى الأخذ بأسباب الإصلاح ويتبع ذلك تطور وتجديد في عالم الفكر وعالم القلم، وتدور رحى المعارك الصحفية على الأعمال لا على الأشخاص، وعندئذ تبرز الشخصية المعنوية للأمة وتبرز معها شخصية الكتابة والكتاب فتستقر في قرار مكين وتصبح في مأمن من زعازع السياسة ومنازع الأغراض فلا يعصف بها استبداد، ولا يلويها عن قصدها حب في سيطرة أو استبعاد
على أنه رغم تلك الاضطرابات العامة والقلائل الجمة، فان مصر بحمد الله قد ظفرت بطائفة من الكتاب لا تقل علماً وأدباً وقوة ومغامرة عن أمثالهم في أعظم الأمم المتحضرة المجاهدة، وما ذك إلا لما هم عليه من ذكاء نادر وعلم وافر ومضاء في العزيمة وقوة في الشكيمة. وإذا حق لمصر أن تفخر بأبناء الجيل الحاضر فمن الأنصاف أن تضع في مقدمتهم الأساتذة الكرام (العقاد، والزيات، وهيكل، وطه حسين، والمازني، وزكي مبارك، وسلامة موسى) وغيرهم
والظاهر أن الحكومة قد فطنت إلى ضرورة تشجيع الأدب فقررت منذ عام وبعض عام منحهم جوائز على موضوعات يتبارون فيها، فكانت فكرة موفقة، ولا نعلم لماذا لم تستمر في ذلك! ولعلها تذكر أن من أكبر الأسباب التي دعت إلى ظهور طائفة كبيرة من الأدباء والشعراء الخالدين في العالم العربي، الصلات القيمة والمنح الكريمة التي وهبها إياهم الخلفاء تقديراً لنبوغهم وتشجيعاً لغيرهم. ولسنا بملتمسين غير العدالة - إن لم يكن الحق - إذا نحن وجهنا نظر حكومتنا إلى ضرورة منح المجلات الراقية في مصر إعانات كفيلة بتوطيد دعائمها حثاً لها على الاستزادة من خدمة قرائها تعميماً للثقافة وتعضيداً للعلم، ولها في ذلك أسوة بالمدارس الحرة ودور المسارح والملاهي