الشريف شعاعاً من النور لم يلبث أن بسط رواقه على بعض الأرجاء. ومنيت هذه النهضة بصدمات عنيفة يوم أرغم نصيرها ومحييها الخديو إسماعيل على اعتزال الحكم، وعاد الجمود ولكن لا يمكث طويلاً، وإنما يمكث إلى أن تدور دورة الأيام وتهدأ الأعصاب ويستجم الأدب قوته ويستعيد سيرته، إذ هيهات أن يحول حائل دون نمو شجرة أحكم زرعها وقوى أصلها. وما هي إلا عاصفة أثارها العرابيون حتى نفض الأدب عنه غبار الهدأة وخرج يتلمس مكانه تحت الشمس، وكان الشيخ محمد عبده فارس هذا الميدان أيضاً فجال بقلمه وصال، بل كان رئيس الوزارة نفسه البارودي شاعراً وكاتباً، وملأ عبد الله نديم الميادين والطرقات بخطبه وقصائده وأزجاله، وعالج آل المويلحي فنوناً من الأدب لا تزال بلاغتها تهز القلوب وتثير الشجون. وجاء الاحتلال فجاء معه الجمود للمرة الثالثة، ولكن لا ليستقر أيضاً وإنما يهدأ قليلاً ريثما يعود الأدب من جديد ملكاً ذا سطوة وبأس منادياً بالحرية مصوراً شعور الأمة بمقت الحكم الأجنبي.
وفي ذلك الحين بدأ نجم شوقي يعلو ويلمع، وتلاه حافظ، وتربع على دست الصحافة الشيخ علي يوسف في دار (المؤيد) ثم تلاه الأستاذ الإمام أحمد لطفي السيد في دار (الجريدة) وكانت لا تزال الصحافة السورية راجحة الكفة قوية الشكيمة. وأناخت على الأدب الحرب العظمى بكلكلها ولكن ما جاءت سنة ١٩١٩ حتى وصل الأدب ما انقطع، ولا حق ما سابق، وهب أقوى سلطاناً وأكبر نفوذا. فازدادت المجلات والجرائد المصرية دون السورية زهوراً وانتشاراً، واتسع مجال التأليف، وتعددت نواحي التفكير.
وأبرز ما يبدو في الأدب العربي الحديث هو الحيرة وعدم الاستقرار والخلو من الوحدة والتجانس والتماثل؛ فهو لم يعد بعد طور التكوين ولم تقم له شخصية جلية فهو في ذلك إنما يتمشى مع روح الأمة ومشاغلها وأمانيها، ففي مصر مثلاً كان أكبر ما يشغل الأذهان ويتغلغل في النفس هو السعي في سبيل الحرية، فانطبع الأدب بهذا الطابع وظهر أثره في الصحف والمجلات والخطب والتقارير وما إلى ذلك، فتغنى الشعراء بأناشيد وطنية تمس نواحي الأمل تارة، ونواحي الألم تارة أخرى، وكلما تطورت المواقف تطور معها الأدب وجرت بها أقلام الكتاب من حيث يشعرون أو لا يشعرون
ومن العجب العجاب أن الأدب الرفيع قد لاقي من صنوف التنكيل والمقاومة من جبروت