بل ربما كانت كفاءة الطبيب حين يكتب في صحيفة طبية ألزم من كفاءة الطبيب حين يعالج المرض في مستشفاه، لأن الكفاءة في الرجل الذي ينشر علمه على الألوف ألزم منها في الرجل الذي يقصد أفراد مسؤولون عن الثقة به والذهاب إليه. وإذا سهل الاتفاق على صفة المحرر الذي يتصدى للكتابة الطبية أو الفقهية، فما هي الصفة التي تشترط في السياسي وفي الأديب؟
لا نقول إن حصر المرشحين للكتابة في الموضوعات الفقهية أمر ميسور مأمون العواقب، فان المتفق عليه أن طائفة من رؤساء المذاهب القانونية لم يكونوا من أهل القانون في التربية والنشأة، وإن كان هذا الحكم لا يسري على كبار الشراح والمفسرين
ولكننا نريد أن نقول إن الاتفاق ميسور على الصفة الواجبة في الفقيه، غير ميسور على الصفة الواجبة في السياسي والأديب
فثلاثة من كبار ساسة العالم الآن كان أحدهم نقاشاً والثاني حداداً والثالث ابن أسكاف أخفق في صناعة أبيه
وغير هؤلاء وزراء ورؤساء وزارات كان منهم الاقتصادي والمحامي والمعلم والصانع الصغير
فإذا كانت هذه شروط قادة الأمم فما هي شروط الكاتب في صحيفة سياسية؟ وما هي شروط الكاتب في صحيفة أدبية؟
على أننا ندع الكفاءة للمادة التي يكتبها الصحفي، وننظر إلى الكفاءة التي لا غني عنها لمن يمارس الصناعة الصحفية
فليس كل قانون ضليع بقادر على ترويج صحيفة قانونية ولو كان أقدر الباحثين في مذاهب التشريع، لأن صناعة الصحافة غير صناعة الفقه القانوني، وغير وضع الشرائع وتطبيق الأحكام، فإذا اكتفيت بالصنعة العلمية فقد تستثنى بذلك صنعة الصحفي التي لابد منها لترويج الصحيفة ولفت الأنظار إليها وتنظيم إدارتها وبيعها، وقد تقضى على الصحافة وأنت تريد لها الكرامة والارتقاء
ونحن هنا في مصر لم نعرف بعد مدارس الصحافة، ولم نبلغ بعد ما بلغته الأمم الأوربية من شيوع التعليم وذيوع الثقافة العامة، فكيف تكون الصعوبة عندنا إذا كانت صعوبة