والبرد، وأضمها إلى صدري لعلها واجدة فيه دفئاً أو سلوى
- ويل لها من كذوب ماكرة! هكذا قلتن وأنا أنتفض غيظاً وْموجدة، وبودي لو أذهب إليها فأحطم رأسها أو أهشم عظمها، أو أمزّقها إرباً، ولكن عَّن لي أن أستعمل الحيلة حتى اخلص منها لا على ولا لي. فغادرنا المنزل تواً، وتركنا متاعنا إلى الصباح، ثم أرسلت من يحضره، فأبت أن ترد إلينا. فقلت: يا لعجب! إني قد وقعت منها على داهية؛ وأسرعت إلى منزلها غضبان أسفاً، فاستدرجتني حتى دخلت إحدى الغرف، ثم أوصدت الباب وأحكمت رتاجه، وأخذت تهدد وتتوعد، وتبرق وترعد. وتقول: قد أتلفتم أثاث المنزل ولن تبرح حتى تنقدني عشرين جنيهاً، أو تكتب بها صكاً؛ فكتبت ما شاءت فداءً لنفسي، وإبقاء عليها؛ وخرجت لا ألوي على شيء، وذهبت من فوري إلى محل الشرطة، وذكرت ما عانيته منها، فصحبني أحد رجاله؛ وما إن رأته حتى أصفر وجهها فرقاً ورعباً؛ فسألها عن الصك فأنكرته. فقال: إني على ذلك شهيد، وأخرج أمتعني عنوة، وحذرها بالعقاب الأليم إن هي فكرت في إيذائي. فانطلقت شاكراً له، وحمدت الله على أن نجوت من مخالبها
ولكن وا أسفاه! قد طاردني شرها في كل مكان، فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت؛ إذ أنها كتبت للإرسالية تصمني بالعربدة؛ ومرضت زوجتي وطفلتي من أثر ذلك اليوم المشئوم؛ وقد نصحني الأطباء ألاّ أبقيهما يوماً واحداً في لندن حيث لا يعين جوها على البرء والشفاء؛ فودعتها والدموع تنهمر، والقلب ينفطر وسافرا إلى مصر على ما بهما من مرض، وعدت أدراجي إلى منزلي وحيداً غربياً، لا أجد مواسياً أو حبيباً
وهأنذا يا سادتي، أناشدكم أواصر الوطنية ولإخاء، إلا أقلتموني من عثرتي، وانتشلتموني من وحدتي. فقد حجب الحزن بصري عن النظر، وغشىّ الأسى قلبي عن التفكير، وكل ما أبغيه أسرة تحنو عليّ، وتأسو ذلك الجرح حتى يندمل، وتعيني بعطفها على الدرس، وبحسن معاملتها على السلوى
فحركت مأساته الأفئدة رثاءً له وحدباً عليه، وعلت الآهات، والزفرات توجعاً لمصابهن وأخذنا نقدح زناد الفكر حتى اهتيدنا إلى سبيل نزود به وحشته، ونخفف كربته، فقلت:
- إني أقيم في أسرة أحلتني مكاناً علياً، وأنا عندهم ملء السمع والبصر، أتقلب في أعطاف الهناءة والدعة، فإن شئت أن تشاطرني ما أتمتع به من الراحة والطمأنينة، فلن تزيدني إلا