للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكلل. وكم اظلم على الإنسان طريقه، وعميت عليه أرجاؤه. وأطبقت عليه سحائب سوداء، وأحاطت به ظلمات لاشية فيها من الضياء، فنظر إليها فإذا هي إلى الغاية دليل، وإذا هي على الظلمات قد استقامت على السبيل - وكم حارت بالإنسان آراء مظلة. وأفكار غائلة، وأقوال ساحرة، ملما هلك أو كاد، ودارت به الحيرة والإلحاد، أحس اضطرابها في نفسه فسكن، فتهافت الآراء وتهاترت الأقوال، وثاب إليه هداه فوجد أمامه الله.

إيه أيتها الإبرة الهادية! ضل الإنسان في صباه وهرمه، وجهله وعلمه، وسعادته وشقائه، ووحدته واجتماعه، وحله وترحاله، لولا هداية من الله فيك. وبصيص من نوره في نواحيك، وصلة به لا تنقطع، وشعور به لا يضل، وجذوة من حبه لا تخمد.

وأما الذين أضلتهم الأهواء، فعميت عليهم الانباء، وتخطفتهم في الحياة المآرب، فتذبذبوا بين شتى المذاهب. وشرق بهم مطمع وغرب آخر، وتلونت لهم غيلان من الآمال والأعمال، والذين فقدوا أنفسهم وهم لايشعرون، وظل سعيهم وهم يحسبون انهم مهتدون، والذين يلبسون كل يوم دينا، ويبدلون كل حين رأيا، ويلبسون لكل دولة وجها، ولكل سلطان زيا، ويتخذون لكل ساعة لسانا، ولكل فرصة وجدانا، فأولئك اغفلوا النظر إليك فحرموا الاهتداء بك، بل أولئك في إبرتهم خلل قد عرض، أو أولئك في قلوبهم مرض.

عبد الوهاب عزام

<<  <  ج:
ص:  >  >>