للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتورع بعضهم عن اتهام العبقري الممثل بشذوذ في الطبع وبخرق في الرأي وإن لم ينكروا عليه لطف المعاشرة ولين الجانب وبسط اليد.

ألا إن المتأمل في حياة شارلي شابلن، الفاحص عن أمر طبعه ومنزعه بما يطالعه له من آثار وحيه عن الشاشة البيضاء، يرى غير ذلك إذا توخى الإنصاف والدقة، وتعمق في استكناه في ما وراء وعي هذا العبقري الممثل.

إن شارلي شابلن عبقري فنان. والفنان الحق خّلاق، والخلاق من طبعه البذل والتضحية والإسراف في الجهاد.

تعود شارلي أن يصدر عن كل هذا في عمله، ومؤلفاً كان أو ممثلاً أو زوجاً.

وما كان هذا شأنه فإنه يتطلب الكثير من الناس، ولا يقنع بالغذاء العادي الذي تقدمه المرأة من عطفها وحنانها. هذا والفنان الصادق أثر يحب نفسه وهو لا يشعر، فهو يميل إلى الاستئثار بكل ما يعمر قلب المرأة التي يهبها قلبه، وينزع إلى سوء الظن بما يلقاه من تقصير أو فتور غير معتمد، ويعده جحوداً ونكران جميل. . .

وهكذا كان شارلي شابلن يتطلب من زوجاته أن يعطينه مثل يعطيهن.

هذه هي العلة، وهذه هي غلطة شارلي شابلن مع النساء أو بالأحرى هي غلطة كل فنان خلاق كبير القلب دافق الروح، شاعراً كان أو ممثلاً، أو مصوراً، بل لعلها هي غلطة كل كريم نفس يشرف هذه بذل حبه وكريم عواطفه لإحدى بنات حواء.

ونخرج من هذه المأساة العاطفية بشيء واحد، وهو أنه وهو واجب على الرجل ألا يأمل كثيراً ما عسى أن تمنحه المرأة إياه وأن تقنع منه بظرف المعاملة، بينما ببسماتها الوردية، وبلمسات شعرها العطر، وبومضات جسدها الشاب المضيء. إن لم يفعل ذلك - وواجب عيه أن يفعل - فإنه لا يجني من حياته العاطفية سوى أشواك الجحود والخيبة.

أما ذوي القلب الكبير والروح الخلاق، الصادي الذي لا تروى علته جرعات من الماء فخير له ألا يبحث عن السعادة في ظل امرأة.

لم يكن غريباً بعد هذا أن نلمح في ابتسامات شارلي شابلن أفواه الجروح، وأن نسمع في صدى ضحكاته أنات العويل. إن المسكين يضحك خشية أن يسترسل في بكاء.

ولا عزاء للمسكين في محنته هذه، وفي عزلته. لقد تجاوز السن التي تجعله مرموق

<<  <  ج:
ص:  >  >>