أما أبرز المظاهر الاقتصادية التي كان يتداولها سكان هذه البلاد مع الأمم التي تناوحهم فهي تلك الأعواد العطرية الفواحة، والنباتات الكريمة التي تتفوغ بها أوديتها العميقة وشعابها المشجرة المعطرة
وبناؤهم في غاية الفخامة والجلال؛ قصور شاهقة، وبناء محكم، وحيطان وسقف مموَّهة بالأحجار الكريمة، مرصعة بالعاج؛ وآنيتهم من الذهب والفضة الخالصين!. . .
ولكن السبئيين كانوا يعبدون الشمس والقمر والوعل والعجل؛ ولهم معابد فخمة واسعة منتشرة في كل الأنحاء؛ ثم لما بطروا بأنعم الله عاقبهم الله بانهيار السد، فغشى المدينة من الماء الجارف ما غشيها فجعل عاليها سافلها، وأهلك سكانها وأباد ضرعها وزرعها فكانت مثلاً
ويعدُّ انهيار السد حديثاً عظيماً في تاريخ الشعب العربي؛ ذكره (القرآن الكريم) في جملة ما ذكر من القصص؛ ومع كل هذه الحقائق التاريخية الثابتة أصلاً فإنها لم تؤثر في تفكير اليمنيين وتغير مجرى اعتقادهم في أن يعيدوا إلى الوجود وإلى ضوء الشمس آثار ذلك الماضي اللمّاع المجّسم في خرائب هذه المدينة ذات الجلال والإبداع، ولم يفكروا مطلقاً في استنطاق هذه الألواح الصخرية المنقوش عليها حرف (المسند) ليعرفوا حقيقة الماضي البعيد
أما علماء الآثار الذين مكنتهم الظروف فاخترقوا هذه الآفاق واستهدفوا لضروب من المتاعب والأخطار، فما استطاعوا أن يقدموا لنا عن هذه البلاد إلا معلومات ضئيلة لا تشفي غلة الباحث الصادي
نعم، إن إدوار غلازر نجح في مهمته، وتنكر في شخصية مسلم واستطاع إبان وجوده بصنعاء أن يتفق مع أحد أشراف مأرب ليكون له قائداً ودليلاً إلى حيث السد
فمن صنعاء أخذ الاثنان طريقهما في واد عميق يقع بين ذُرى بلاد نِهْم وخولان؛ ثم انحدرا إلى وادي شبوان فأخذا طريقهما إلى خرائب السد ومن هنا تابعا سيرهما في ثلاث ساعات إلى مركز الحضارة السبئية: مدينة بلقيس!
وترامت أخبارهما بين القبائل المتعصبة المتحمّسة فعقدوا العزم على ذبحه وذبح دليله. ولكن غلازر درى بحقيقة الأمر فاحتاط لنفسه كثيراً فكان يقوم ليلاً ويختفي نهاراً. . . ولما