في نطاق الثلث، وهذا فوز له قيمته ولا ريب، ولكني أجترئ على القول بأن الفضل فيما كسبت فلسطين العربية، لأبنائها الأشداء الأبطال المغاوير قبل أن يكون لهذه الدول العربية، ولو لم يقم عرب فلسطين قومتهم الباهرة لما أجدى سعي البلاد العربية الأخرى منفردة أو مجتمعة. ومع ذلك أصبح هذا الكسب عرضة للضياع إذا اعتبرنا ما يحدث كل يوم من تهريب اليهود إلى فلسطين وإدخالهم فيها بكل وسيلة غير مشروعة لإحباط سياسة الكتاب الأبيض فيما يتعلق بتحديد الهجرة والعدول عن الوطن القومي، وهؤلاء اليهود يجيئون من بلاد لا تضطهدهم ولا تسومهم شيئاً من العذاب أو الظلم وإنما يُجمعون ويُرسلون إلى فلسطين ليقاوموا السياسة الجديدة كما صرح زعماء اليهود بذلك
وأنا أعلم أن الجنرال نوري السعيد باشا رئيس الوزارة العراقية هدد في لندن بسوء العاقبة إذا لم تعمل بريطانيا على إنصاف عرب فلسطين، وكان لوعيده هذا أثره يومئذ في المؤتمر
ولكن على الرغم من تعاون البلاد العربية في المؤتمر ودخولها فيه وخروجها منه كتلة واحدة، وعلى الرغم من تهديد نوري باشا لم يفز العرب بأكثر من خمسين في المائة من مطالبهم العادلة وحتى هذا القدر يمحوه التهريب اليهودي الآن
ودع فلسطين وانتقل إلى سوريا وانظر ما حل بها
هذه فرنسا عقدت معها معاهدة صداقة وتحالف على مثال المعاهدة العراقية البريطانية، وما نظن أن أحداً سيدعي أن فرنسا أُرغمت على ذلك أو أن سوريا أملتها عليها بحد السيف، ومع ذلك راحت تماطل في إبرامها ثم نقضت سياسة المعاهدة جملة وتفصيلاً وقضت على الحكم الدستوري وقطعت البلاد إرباً، وزادت فاقتطعت الإسكندرون وتفضلت فأهدتها إلى تركيا. وليس ما صنعته ألمانيا بتشيكوسلوفكا بشر مما صنعت فرنسا، فما كانت تشيكوسلوفاكيا أمانة في عنق ألمانيا وإنما كانت شوكة في جنبها وضعتها هناك سياسة فرنسا - وليس هذا دفاعاً عن ألمانيا وإنما هو الحق. وإذا كان المرء لا يجد ما يصلح أن يكون دفاعاً عن ألمانيا في هذا الباب على الرغم من الحقائق المعروفة فأي دفاع يمكن أن يكون هناك عن فعلة فرنسا في سوريا من إهدائها الإسكندرون إلى تركيا، وتقسيمها ما بقى من البلاد السورية إلى محافظات مستقلة إدارياً وقضائياً ومالياً وحكمها جميعاً حكماً مباشراً، وإهمال المعاهدة التي عقدت في سنة ١٩٣٦؟