البلاص. فأحدث بها ثورة في دنيا الهزل! وراح يلقي بنصائحه الغالية من على منبر (الأجبسيانة): فيتحدث عن النساء اللائي سلبن لبه وشغلن باله، وجعلنه يبيع الأطيان، ويرهن الضياع ليستمتع بهن في مصر أم الدنيا! ووضع أمين صدقي رواية (حمار وحلاوة) وأخرجها نجيب الريحاني على مسرح (الأجبسيانة) فنالت نجاحاً منقطع النظير، وكانت بدء عهد جديد للمسرح الهزلي في مصر، ولأول مرة في تاريخ المسرح المصري لاقت رواية كل هذا الإقبال من الجمهور، حتى ظلت تعرض حوالي أربعة شهور!
وكانت بمثابة إعلان ضخم عن هذا النوع الاستعراضي من الروايات المرحة الصاخبة بألحانها وموسيقاها، وراح الناس يتغنون أغانيها وينشدونها في الطرقات والبيوت؛ وراح أهل المسرح ينسجون على منوالها! وبينما بربري مصر الوحيد يقول لمن حوله من الفتيات:(اللي في الدست تطلعه المغرفة)! ومصطفى أمين يطربهم بصوته البلدي الممتع. . . يجد أمين صدقي أن من الخير له أن يترك نجيب ليغترف من ذهب مدام مارسل، ويفيء في ظلالها ونجد نجيب في بديع خيري من يقوم بمهمته عنده فيحسن القيام بها
ومضى كل في سبيله. فلا تنقضي بضعة شهور حتى لا يكون في مصر غير:(كشكش بك) و (بربري مصر الوحيد)! وحتى لا يكون فيها غير شارع واحد بلغ صيته الآفاق هو شارع عماد الدين!
ويتضاءل شأن المسرح الأدبي وينزوي أبطاله حيارى لا يدرون ما يفعلون. ولقد وصل الحال بجورج أبيض بطل التراجيدي أن يستعين باسم (كشكش بك) وروايته (حمار وحلاوة) ويتخذ منهما شفيعاً لدى الجمهور ليقبلوا على شهود روايته العظيمة (أوديب الملك)، وعرضت (أوديب) إلى جانب الفصل الأول من (حمار وحلاوة) على مسرح الأجبسيانة، وسمع الناس (تجعيرة) أوديب إلى جانب صوت أبو الكشاكش المبحوح!
إلى هذا الحد من المهانة انحدر التمثيل الجدي، أو قل - في تعبير لطيف - إنه ما عاد يشغل عقول الناس بعد الذي كان من شأن المسرح الهزلي.
في هذه الظروف، وفي تلك البيئة، نبتت شخصية كانت مجهولة؛ وظلت مجهولة إلى حد ما حوالي خمسة أعوام بعد ذاك. هذه الشخصية هي التي تزعمت نهضة المسرح في فرقة ومسرح رمسيس عام ١٩٢٢.