كان يوسف وهبي بن عبد الله باشا وهبي طالباً من طراز طريف، كان أخوه محمد بك وهبي صاحب مدرسة وادي النيل الثانوية، وكان اسم يوسف وهبي الطالب الفخري مدرجاً بين أسماء الطلبة العاملين! وما كانوا يشهدونه إلا لماماً، إذ يجدونه كل بضعة أسابيع إلى جوار زميله وصديق الصبا مختار عثمان يتحدثان في غير الدرس ويصغيان لغير وحي العلم، كان كل منهما موجوداً بجسمه، غائباً بعقله في ملكوت الفن الجميل.
وفي نهاية العام شهد الطلبة زميلهم يوسف وهبي على مسرح المدرسة في مونولوج ظريف، صور فيه صاحبه جنديً جباناً يدعى (هتشكو)، يصارع الخوف فيصرعه، ويدعى الشجاعة، وهي منه براء!
وطاف يوسف بمونولوجه بعض الحفلات المدرسية وغيرها. فرأى الناس فيه شيئاً فذاً عجيباً إلى جانب (مونولوجست) ذلك الزمان من أمثال: عبد الله شداد، ومحمد عبد القدوس، وحسن فائق، وحسني رحمي، وأحمد عسكر. . . وغيرهم، كان يوسف شيئاً آخر سواهم، كان يعني أشد عناية بشخصية الجندي الجبان ويمثلها أبرع تمثيل، ويغالي فيها بعض الشيء. فيسترعي الانتباه وينال الإعجاب!
ودارت الأيام سراعاً، ووضعت الحرب أوزارها، واشتعلت نيران الثورة في مصر، وتطور فن المونولوج، وكل فن، وكل شيء في مصر. واتجه المسرح اتجاهاً وطنياً شعبياً في الحدود التي سمح له بها، وبينما يشهد الناس مصرع (العشرة الطيبة) على مسرح الكازينو دي باري لتدخله في السياسة من قريب أو بعيد، إذ بهم يشهدون مصرع (حنجل يويو) من بعدها لنفس السبب ولأسباب أخرى تتصل بالأديان!
بيد أنهم شهدوا في الرواية الأخيرة شخصية يوسف وهبي - لأول مرة - في دور (أستاذ) بجبته وقفطانه وعمامته، ورأوا فيه شيئاً جديداً يسترعى انتباههم، لكنه سرعان ما توارى فلم يسمعوا باسمه، ولم يعلموا بخبره إلا في عام ١٩٢٢ حينما ظهرت الإعلانات المضيئة على باب مسرح رمسيس تعلن عن أسماء أبطال وبطلات فرقة رمسيس بطريقة مبتكرة هي إحدى تفانين يوسف وهبي بطل الإعلان في الشرق وكان الناس ينظرون ويسخرون من هذه الجماعة التي تورط نفسها في هذا العمل العظيم، وتحاول بجرأة أن تحمل أعباء النهضة المسرحية عن أكتاف من ناءوا بحملها من جبابرة المسرح، وفي وقت لم يكن