مرحلة التناسل، ولذا نرى أن عدد النسل يتناسب تناسبا عكسيا مع درجة النمو، فكلما كبر حجم الحيوان كان نسله أقل عددان فبينما تنسل الذبابة مثلا عشرات الذباب لا يلد الفيل إلا واحدا. كذلك يتناسب عدد النسل مع مقدرة الحيوان على مقابلة الاخطار. فان كان ضعيفا عاجزا عن صد ما يتهدده من الكوارث لجأ إلى كثرة النسل ليعوض فناء أفراده الناشئ من ضعف المقاومة وإلا تلاشى النوع. والعكس صحيح، أي إذا كان النوع قادرا على الاحتفاظ ببقائه، وجبت قلة النسل، والا رجحت كثرة العدد على كمية الطعام. ومعنى ذلك بعبارة أخرى أنه كلما ارتقى النوع في سلم الحياة، كان أقدر على الأحتفاظ بوجوده، وكان بالتالي قليل النسل. وهذه القاعدة صحيحة إلى حد كبير حتى في الأفراد، أي إذا ارتقى الفرد في عقليته وذكائه كان أقل نسلا. ومما هو جدير بالذكر أنه كلما ازدادت عند الفرد كمية الاستهلاك العقلي أي التفكير - قل عدد النسل أو انعدم. ولعل أبلغ آية لذلك عقم الفلاسفة. وقد يشير هذا الدليل إلى إن الإنسانية تسير في تطورها نحو مرحلة تزيد فيها القوة العقلية ويقل عدد النسل.
وعلى الرغم من ان الطبيعة ساهرة على هذا التوفيق بين نسبة التناسل وحاجة النوع. فقد يظهر إنها أخطأت الحساب ومالت نحو الإكثار من السكان، بغض النظر عن كمية الغذاء، وحق لملتوس أن يجهر بدعوته إلى ضبط النسل لما لاحظه من زيادة السكان على مواد الغذاء.
تطور المجتمع
ليست دراسة الاجتماع باليسيرة الممهدة، بل يعترض سبيلها من العقبات والصعاب ما لا يستطيع التغلب عليها إلا الأفذاذ الفحول، فقد حدث مرة ان ارتحل رجل فرنسي إلى إنجلترا يقضي بأرضها بعض الوقت ترويحا للنفس وحبا للاستطلاع فلم يكد ينقضي علت إقامته بها أسابيع ثلاثة حتى اعتزم ان يصدر كتابا عن انجلترا، اذ خيل اليه انه قد درس شعبها فأتقن الدراسة، فلما انقضت شهور ثلاثة، هم بوضع كتابه، ولكنه أدرك أنه لم يتقن الدراسة بعد بحيث يستطيع أن يخرج الكتاب الذي يريد، وآثر الروية والاناة، فلما انقضت سنوات ثلاث، اتسع شعوره بالعجز والقصور، وأيقن أنه لا يعلم من موضوعه شيئا. . . وهذا صحيح، فقد يخيل للإنسان للوهلة الأولى ان دراسة المجتمع سهلة ميسورة، ولكنه