الأول ملء الأعمدة والاستيلاء على الأجرة، وأدب المديح؛ وظاهر أن سبب هذه التسمية ضعة الأدب الذي يكون باعثه استدرار عطف من يغدق على المادح المال أو يفيده من الجاه، وتفاهة الأدب الذي يكون باعثه الأول لا حب الأدب في ذاته أو الرغبة في البحث في ذاتها أو الاقتناع بفكرة بعينها، بل لأنه مسوق إلى أن يكتب موضوعاً معيناً وإلى أن يصوغ فكرة معينة على أسلوب معين على قدر كذا من الأعمدة ليتقاضى كذا من الجنيهات، وكذلك الغزل الوقح أو الوصف المكشوف لما ينزو بالرؤوس ويحرك الشهوات، فلا ريب في أنه وضيع لاتصاله بالضعة، وعلى ذلك يمكن أن نجعل الغزل من أدب الروح إذا أخرجناه عن تحريك الشهوات وكان القصد منه الحديث عن صلة قلبية روحية أو تصوير صورة حسية تسمو بالقلب أو ترقى بالروح، ويمكننا أن نرى من الكتاب من يكتب كل يوم مقالاً ويتقاضى عليه أجراً، ولكنه يأبى أن توضع لي الفكرة أو تملى عليه إرادة ويأبى إلا أن يوحي إليه ضميره ويفتيه قلبه وعقله، فلا يمكننا إلا أن نعجب بأدبه وأن نقر بأن أدبه أدب روح لأنه من الروح وإلى الروح، وكذلك يمكن أن يكون المدح لعظيم يستحقه من مادح لا يبغي بمدحه إلا تقرير الحقيقة، أدب روح لأنه يضع لنا صورة حقيقية تسمو بالروح. وبعد فهذا هو ما نراه حداً فاصلاً بين أدب الروح وأدب المعدة، أرجو أن يقره أستاذنا الدكتور زكي مبارك وأن يكون به من أنصار أدب الروح، والسلام.