للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يجعل جزءاً منه أدب معدة بتقريره بوجود حب شريف غير الهوى العذري المعروف عند العرب (وهو الذي يجري بين فتى وفتاة أو رجل وامرأة لغرض غير مادي وتقع حوادثه في الأوساط المعروفة بالاستقامة وحسن السمعة. . . ويستبيح أشنع الذنوب والآثام ولكنه مع ذلك يجري فيه الأرق وتسيل من أجله المدامع، وتعرف فيه نكايات الوشاة والعذال، وتتخذ من أجله الرسل، وتدون له المكاتبات. . .) ولعل الحد الفاصل بين الحب الروحي والحب الفاسد هو أن الصلة في الحب الروحي تصل بين روحين وقلبين، كما رأينا في رفائيل لامارتين وتعريب أستاذنا أحمد حسن الزيات؛ ففي ص٨٢ تستنكر جوليا أن يتدلى الحب إلى اللذة الحسية الوضيعة، أو يتدنى إلى الشهوة الدنسة الحقيرة لأنه إذ ذاك يفقد كبرياءه ونماءه وبقاءه. فيجيبها رافائيل في ص٢٠٢: بأن نار الحب القدسية قد أتت على هذه الشهوات الباطلة والنزعات السافلة فحولتها إلى لهب صاف كقلبها نقي كحبها. ولذلك لا أدري كيف يستنكر أستاذنا الدكتور أن يسمي ما يتصل بالروح كرواية رفائيل أدب روح، وما يتصل بالجسد أدب معدة لأنه يتصل بالمعدة؟ وكيف أجاز لنفسه أن يدعي أن القائلين بروحانية الأدب قد خلوا من الفتوة، أو أن المرأة لا تلهم الرجل إلا باشتهائها حسياً، أو بمعنى آخر إلا إذا كانت الصلة بينه وبينها بهيمية، يعني أنها إذا كانت روحية بريئة لا تلهم على رأي الدكتور وفي هذا ما فيه من النزول بالصلات وما فيه من الإلغاء للشعور القلبي والقرب من البهيمة التي لا يهمها من الفحل إلا عملية التلقيح

ويقول أستاذنا أحمد أمين إن أدب الطبيعة أدب روح، لأنه شعور بالجمال مجرداً عن الرغبة وتقدير للحسن منزهاً عن الأثرة، ومزيج من شعور بجمال وجلال يحد من كبرياء الإنسان، ونبل هذا الأدب إنما يرجع لنبل غرضه. وظاهر أن غرض المتغزل في الطبيعة التي خلقها الله، هو التفكير في خلق الله، وفي تقديس ما أوجده الله لنا من أشياء حسية تدل في خلقها، وسمو صنعها على جليل قدرته وعظيم قوته، أي أن أستاذنا أحمد أمين يرى أدب الروح هو كل أدب انبعث عن عواطف نبيلة ويدفع إلى أعمال نبيلة، ولا أظن أستاذنا الدكتور زكي مبارك يعترض اعتراضاً جدياً على هذه التسمية

أما أدب المعدة فيرى أستاذنا أحمد أمين أنه ذلك الأدب الذي يدور حول ملء المعدة واستدرار المال وتحصيل القوت، ومثل لذلك بالغزل الفاجر ومقالات الكاتب التي باعثها

<<  <  ج:
ص:  >  >>