في غير خضوع ولا استخذاء، فلم يعترض أستاذنا الدكتور زكي مبارك على هذا لأنه لا يستطيع مهما كان نصيراً للحسية أن يقول بغير هذا، لذلك نجده بلباقة زكيه مباركة قد أغفل ذكر الحماسة وتخطاها إلى ذكر الغزل والحب. فأستاذنا أحمد أمين يرى أن غزل جميل وكُثير والعباس بن الأحنف، أدب روح، لأنه يصهر النفس ويطهرها ويجعل من آلامها وآمالها مبعثاً لفيض الحنان والرحمة والعطف على العالم وعلى الإنسانية كلها. وقال إن الغزل الفاجر أدب معدة وإن تعليل ذلك واضح بقليل من إعمال الفكر، فأتى أستاذنا الدكتور زكي مبارك في العدد ٣٢٢ من الرسالة يعارض هذه الفكرة بقوله:(. . . لا يمكن للمرأة أن تكون مصدر وحي وإلهام للرجل إلا إذا اشتهاها شهوة حسية، ومن قال بغير ذلك فهو رجل ضعيف لا يدرك جوهر الصلات بين الرجال والنساء) ويقرر أن رجال الأخلاق لم يستنكروا الشهوات إلا بسبب الإسراف؛ أما الشهوات في حد ذاتها فهي من دلائل العافية، وأن فضيلة العفاف لا يقام لها وزن إلا حين تصدر من رجال مزودين بحيوية الشهوات، وأن للشهوة الحسية صلة بتفوق الرجال في الميادين العقلية، وهذا ليس مستبعداً من أستاذنا الدكتور الذي يعبر في كل كتاباته عن ميله للحسيات وهو بهذا ينصر أدب المعدة؛ لأنه ينصر الحب الفاسد ويخذل أدب الروح، لأنه يخذل الحب الروحي الذي يجمع بين قلبين، ولكن الغريب مع هذا أن نجد لأستاذنا الدكتور بعض كتابات تجعله من أنصار أدب الروح فمثلاً وقد فتحت الآن كتابه (ذكريات باريس) قد صادفتني ص١٣ وفيها يقول وصفاً لحسناء (هي فتاة ناهد حسناء رشيقة القد، مشرقة الجبين، في عينيها النجلاوين بقايا خطيرة من سحر هاروت وماروت. . . وفي صوتها غنة موسيقية. . . ولأناملها رقة جذابة تفيض بالكهرباء. . . وفي خطراتها تكسر وتثن. . . ولها رفق بارع في إذكاء نار الحب والوجد فيمن تختار من أصحاب القلوب. . .) فهذا الوصف من أدب الروح لأنه يعطي القارئ فكرة روحية عن حسناء زكي مبارك الجميلة. وكذلك أعد من أدب الروح مقالة الحب الأثيم في باريس ص١٥ وما بعدها، لأنه وإن حدث عما في حدائق باريس من عشاق متعانقين ومتعانقات فوق المقاعد مظللين بالأشجار المورقة، فقد كتب مقاله ليقرر (أن الشاب الذي يحمله جنون الشباب على غشيان المواخير القذرة ثم يحمل مرضاً يعيا في برئه الأطباء) إنما يخدع نفسه بقوله إنها تجربة، وإن كان قد أبى عليه حبه للحسيات إلا أن