ولكن الإنسان وحده هو الذي يستطيع أن يسلِّم بيد ويلطم بيد!
أهذا هو رجل الدين الذي عرفته عنوان الفضيلة ومثال الورع ولسان المعروف؟ مالي أراه اليوم قد تهتكت الأسرار عن تنكره البارع، فلحيته المستعارة تكاد أن تسقط، وزهادته الكاذبة تهم أن تفترس، وحلته الدينية تشف عن جسد دنيوي تلهبه الشهوة المسعورة، وتذيبه الرغبة الملحة، ويود لو تنقلب المواعظ والآيات في فمه رُقًى سحرية ينال بها عرض الدنيا وعزة الجاه؟
أهذا هو العظيم المتأبه الذي أشاهده من حين إلى حين يمشي وأنفه في السماء، ولغاديده تكاد تنشق من نفخة الكبرياء، ونظراته وكلماته توزع على من حوله احتقار القوى واستكبار المتسلط؟ إني لأراه الساعة من خلف هذا المظهر المونق والرواء الخلاب جثةً ضئيلةً الأجلاد خبيثة الريح يلتف جلدها الرقيق الشاحب على ضمير مثقل بالخزي ونفس مطمئنة إلى الهُون. وكأني إلى بقايا الإنسانية فيه تخزه في مواطن الحس منه بكلام معناه: يا عز ما بينك وبين الناس، ويا ذل ما بينك وبين نفسك!
ومن هذا؟ أهذا هو السياسي الذي ألف معجما في لغة الوطنية ونظم ديواناً في مدح الدستور؟ أهو من أرى أم ذلك تاجر يهودي السمات يتجر بالكلام كالمضاربين في (البرصة)، ويراهن على الزعماء كالمراهنين على الخيل في السباق ويضحي بالمنفعة اليسيرة لينال مقعداً في البرلمان، أو بالوظيفة الصغيرة ليبلغ كرسيَّاً في الوزارة؟
وما خطب هذا الشاب الذي يتجمل بالبذلة المهندمة ويتنبل بالحركة المنظمة، وليس في كيسة قرش ولا في بيته قوت؟ لماذا يجلس في هذه المركبة الفخمة مع هذا الرجل وهذه المرأة؟ أيريد أن يخدع الرجل فيبتز ماله بالصداقة، أم يريد أن يغوي المرأة فيسلب ثروتها بالزواج؟ لقد بأن في المنظار أنة (ابن ذوات) أفلس فتاجر في الاحتيال وسمسر للرذيلة. واللذان معه زوجان أرستقراطيان يقوم زواجهما على الرياء والخيانة؛ فالفتى يبيع الرجل أعراض الناس ويشتري منه عرض نفسه. وهو بهاتين الوسيلتين صديق الأسرة الأدنى وكلبها الممسوح المدلل!
وما حال هذه العصبة التي تندو كل ليلة إلى مجلس شراب أو سامر أنس، فيتنادمون على الكأس بطرائف الأدب وروائع النكت ومداعبات الصداقة؟ لقد كنت احسبهم جميعاً فأصبحوا