للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يصورها، يحيا فيها كما يحيا أهلها، حتى يصبح واحداً منهم، ثم يرسل خياله على سيجيته فيكتب، حتى إذا أتم الكتابة عاد إلى هذه البيئة فقارن بين الصورة وبين الاصل وانتهى في أكثر الاحيان إلى الرضا عن هذه المقارنة

على أن التصوير الصحيح لمذهب جول رومان في الاستعداد لهذا الكتاب هو الذي تقرأه في المقدمة فهو تصوير معقول لا يتجاوز حدود الممكن المألوف، وهو في الوقت نفسه تصوير يبين ما في هذا الكتب من الابتكار. فالكتاب لا يدور حول شخص بعينه ولا حول حادثة بعينها، وإنما هو قصص كثيرة مختلفة لبيئات كثيرة متباينة، تنشأ هذه القصص في وقت واحد أو في أوقات متقاربة ثم تمضي كل واحدة منها في طريقها التي رسمت لها فتلقى أحياناً وتفترق أحياناً، وتتوازى أحياناً، ويضاد بعضها بعضاً أحياناً أخرى والله يعلم ولعل جول رومان يعلم أيضاً إلى أن تنتهي وكيف تنتهي آخر الامر

وقد بدأت هذه القصص في اكتوبر سنة ١٩٠٨ وحدثنا جول رومان انها تنتهي في سنة ١٩٣٣ الا أن يطرأ ما يغير هذا الميعاد. فالكتاب اذن محاولة جديدة لوصف الجماعة الانسانية وصفا قصصياً رائعاً في ربع قرن، وتريد أن تعلم بالطبع هل وفق جول رومان إلى ما أراد، وتريد أن تعلم مقدار ما في هذا الكتاب من روعة وجمال. فالذي أستطيع أن أقوله هو أن كتاباً آخر لم يظفر بمثل ما ظفر به هذا الكتاب من الاعجاب بعد كتاب مرسيل بروست في هذا العصر الذي نعيش فيه. فاذا اردت ان تتبين جماله وروعته فالسبيل إلى ذلك ان تقرأه، وانا واثق بانك لن تأسف على ما تنفق في قراءته من الوقت أو الجهد.

طه حسين

<<  <  ج:
ص:  >  >>