معاملة صاحب (الجندول)
ثم شاءت الأيام أن أسمع أن صالحاً وقذه المرض فلم يعد بهجة الأندية الأدبية، ولم يبق رجاء في التحدث إليه إلا بعد استئذان الطبيب
فإن كنتم سمعتم أن الشعراء وصفوا الدنيا بالخيانة والغدر والعقوق فاعرفوا أن ذلك لم يحق على الدنيا إلا لبغيها الأثيم على مثل هذا الشاعر، وله قلب أطيب وأطهر من قطرات الندى فوق أزهار الربيع
ومرّت ثوانٍ ودقائق وساعات وأيام وليالٍ وأسابيع وأشهر ولم يخرج صالح من سجن المرض، فما أطول شقائي بمحنتك القاسية، أيها الصديق العزيز!
وعلى حين غفلة أسمع أن الفتى الذي لم يُرضني شعره قد نبغ فجأة فوق سرير المرض، فهو الذي يقول في تصوير ما بقي من أوطار هواه في دنياه:
فليرحم الله آمالي وأهوائي ... إني قنعت بهذا المخدَع النائي
بقية العمر أيامٌ تدبٌ على ... صدرٍ تهدَّم إلا بعض أشلاء
أعيشها ناسكاً في ركن صومعةٍ ... قامت على صخرةٍ كالموت صمّاء
يبدو خيال الأماني لي فأطرده ... حتى كأن الأماني بعض أعدائي
ثم يصف عُزلة المستشفى وأحوال ساكنيه فيقول:
أوّاه من عُزلٍة كالسجن مغلقةٍ ... على جراحٍ وآلام وأرزاء
ما هذه اُلجثث الملقاة في سُرُر ... أنصاف موتى على أنصاف أحياء
صُفر الوجوه كأن السقم عفَّرهم ... بحفنةٍ من تراب القبر صفراء
للآه فيهم تراتيلٌ منغَّمةٌ ... تنسابُ من قَصَباِت نصف خرساء
وما لهم من نهار فيه مرحمةٌ ... ولا لهم ليلةٌ ليست بليلاء
ثم يلتفت إلى الممرضة الحسناء - ومن تقاليد المستشفيات أن تكون الممرضات صِباح الوجوه إلى حدّ الفتون ليغرسن بذور الأمل والحياة في صدور المكروبين - يتلفت إلى الممرضة فيقول:
مَن يا ممرَّضتي الحسناء قدَّر لي ... أن ألتقيك بأرضٍ غير حسناء
ماذا أتى بي هنا؟ ما خَطْبُ عافيتي؟ ... وكيف غال شبابي غائل الداء