للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شجرة الحرية سالت دماء الرجال والرجال في مصر كثير، وفي لهيب المجد تراكم الوقود من الجنود، وعلى مذبح الفداء تزاحمت من الضحايا الوفود.

طلعت الجنود الإنجليزية من إحدى المنعطفات وراحت مناجل الموت تحصد زرع الوطن، والشباب مع ذلك يستبق إلى الحتوف كلما ذاب صف تقدمت صفوف، ثم سقط مصطفى فتدفقت لرفع العلم ألوف. ويلاه! ما أمر الذكرى ولكن ما أحلاها!! لقد رأيت مصطفى قبل أن يسلبه ملك الموت سر الحياة: عيناه تبسمان في رضا وإيمان، الألم يمزق ضلوعه، الدم يدفق من فمه، شفتاه تهمسان بكلمات خافتة، اكبر اليقين أنها تسبيح بمجد الوطن.

ورأيت الضابط الإنجليزي الذي صرعه بمسدسه على خطوات منه، ورآه كذلك مصطفى، فكأن رؤيته له حلت عقدة من لسانه فهتف (فداء الوطن - لتحيى مصر) ثم أغمض مصطفى عينيه ونقل إلى المستشفى حيث استرد الله فيه وديعته.

هذه هي الذكرى التي حطمت أعصابي أمس، وأزجت إلى روحي الحزن، وكلفتني قطرات من الدمع، ولكني رغم كل شيء لم أتمالك أن ابتسمت من خلال الدموع، لأن في مصر رجالا يعرفون كيف يستحب الموت. حين تكون في الموت حياة. . .

لست أشك أن ذكرى مصطفى - أول الشهداء - قد مست من قلوبكم مكامن الحسرة، بل إني لا أغلو إذا قلت إن غير قليل منكم ترجحت في عينه دمعة أو دمعتان وجرت في عروقه هزة عنيفة، بل سأمضي إلى أبعد من هذا، فازعم ان بعضكم سيقاسي الذي قاسيت من سهد وجهد في دفع الأرق!

أيها الناس! اذكروا (مصطفى ماهر أمين) فقد مات لتحيوا! أيها الوطن! اذكره فقد جاد بدمه لتكتب به سطوراً في صفحة الحرية والمجد والخلود، والجود بالنفس أقصى غاية الجود

أيها الخلود! سجل اسمه في سفر الأبطال الخالدين

أيتها الجنة: التي أعدت لمن أحسن عملا. أعدي له مكاناً بين الشهداء والصديقين. . .

وأنت يا رب. أكرم مثواه وابسط عليه جناح رحمتك، فقد مات في الشباب

محمود البكري القلوصناوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>