يظهر أن هؤلاء الأولاد لم يفكروا في القذائف قط كانوا دائماً على استعداد لتنفيذ الأوامر مع أن الخطر كان منهم على قاب قوسين أو أدنى. وهكذا صارت المدينة في حركة ونشاط متواصلين وقد سرت في نفوس الجميع روح الثقة والأمل.
فإن نعجب فلنعجب لهذا الساحر كيف أوتي هذه الجاذبية المدهشة التي سرعان ما أحالت الحامية خلفاً جديداً وأشاعت في جنودها النشاط والرغبة في العمل.
وحدث في تلك الأثناء حادث طريف يدل على ذكائه الفطري فقد نصب أعلاماً سوداء حول المراعي الخضراء موهماً العدو أنها ملأا بالمفرقعات والألغام لكي يتقي شر الإغارة عليها ولتبقى سليمة ترعى فيها إبله وماشيته وهما قوام حياة جيشه المحاصر. فلما رأى جنود العدو هذه الأعلام ساروا في طريقهم ولم يصوبوا أفواه بنادقهم ولا قذائفهم صوب هذه المراعي خشية انفجار المفرقعات المهلكة والتي ظنوها شراكاً منصوبة لهم. ومما ساعد على نجاح خدعته هذه أن حدث أن الأعداء أطلقوا أعيرتهم النارية على إحدى عربات السكك الحديدية ظانين أن بها بعض رجال الحامية الإنجليزية ولم يكن بها إلا مفرقعات حقيقية فما لبثت أن تطايرت الشظايا والمفرقعات فأصابت المئات منهم. وهكذا سنحت الفرصة لرجال الحامية الذين هجموا على الأعداء فأدخلوا الذعر في قلوبهم وجعلوهم يلوذون بالفرار
تلك واقعة واحدة سقناها للتدليل على شجاعة بادن باول في تلك الحرب التي استمر لظاها مدة ٢٨٠ يوماً وانتهت بأن طلب قائد الجيش البويري الصلح حقناً للدماء معترفاً بما أبدته تلك الحامية الضئيلة العدد من البسالة الفائقة والمقدرة النادرة
ولنترك الآن روبرت نفسه يصف الحالة أثناء الحصار بتلك الجمل التي خاطب بها رجال حاميته مفكنج بعد أن فك الحصار عنها ومودعاً لهم (لقد كان مثلنا إبان ذلك الحصار كمثل أسرة سعيدة واحدة، والآن جاء وقت الفراق. إني أذكر أني قلت لكم يوم أن حوصرنا وتقطعت بنا الأسباب: اربضوا ربضة الأسود. صوبوا إلى المرمى بنادقكم. ولقد قمتم بذلك خير قيام فكانت النتيجة ما ترون. ولقد أثنوا على شخصي الضعيف، ولهجت الألسن بذكري والثناء عليّ الثناء كله وفاتهم أنه من السهل أن يكون المرء ربان سفينة ونسوا الحامية التي هي شراع السفينة مفكنج التي أخرجتها من العواصف القاصفة والزعازع