كل هذا حدث بفضل بادن باول الذي كان الناس يشكون في نجاحه في هذا الحصار ولكنه بجده ونشاطه ومثابرته على العمل وإيمانه بقدرته على النصر تمكن من التغلب على الصعاب التي اعترضته وفاز بنصر مبين رفعه إلى أوج المجد والشهرة
حياة بادن باول الملأ بالمجازفات والأخطار وما شاهده من بطولة الصغار في ظروف عدة وما لديهم من قوى كامنة تدفعهم لاختراق النيران بغية القيام بالواجب، وجعل الجنود بمعرفة الاتجاهات واستعمال الفؤوس في الغابات، وجهلهم أيضاً إيقاد نار في يوم اشتدت فيه الرياح أو هطلت فيه الأمطار: كل هذه أوحت إليه المبدأ الذي نسير عليه
فلما وضعت حرب البوير أوزارها إلى السير روبرت بادن باول على نفسه أن ينشر نظام الفتية الصغار بطريقة أوسع وأنظم في بريطانيا العظمى إذا ما ألقى عصاه بها. ولما رجع إلى وطنه لم يأل جهداً في تنفيذ فكرته فأقام معسكراً تدريبياً في جزيرة صغيرة تسمى برونس ونجح نجاحاً جاوز الآمال فيه. شجع نجاح ذلك المعسكر السير روبرت بادن باول على المضي قُدُماً فجاهر بفكرته وأعلنها للملأ؛ فندَّد بها الاستعماريون لما فيها من إخاء عالمي ولما تحويه من إزالة للفوارق الصناعية بين الإنسان وأخيه الإنسان؛ وازدراها الاشتراكيون لأنهم توهموها عسكرية مقنعة ليس فيها لخير الإنسانية من شيء، وسخر كثير من زيها ورأوا فيه خروجاً عن اللياقة وضرباً من التصابي، فصمد لهم جميعاً وصابرهم إلى أن أصدر كتابه في ربيع سنة ١٩٠٨ وقد وجه فيه الخطاب للفتيان أنفسهم فأقبلوا عليه إقبالاً عظيما والتهموا ما فيه التهاماً، وانخرطوا في سلك الحركة مؤمنين بمبادئها مصدقين بتعاليمها
وفي عام ١٩١٠ أسست الكشافة ليتعلم فيها معتنقوها الصبر واحتمال المكاره والاستمساك بالعقيدة والاستهانة بكل شيء في الحياة عداها، ويلقنهم البساطة والحياة الطبيعية لتطهر نفوسهم من الأطماع ولتخلص من الدسائس والهواجس فيجتمع لكل أبنائها إرادة قوية وعزم من حديد، فإذا اجتمع للإنسان الإرادة وطهرت نفسه وقوى إيمانه بفكرته فمن ذا الذي يستطيع أن يقف في طريقه؟